كلمة السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في افتتاح الاجتماع التاسع والعشرين للمجلس
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الوزراء،
السيدات والسادة الأعضاء،
حضرات السيدات والسادة،
يسعدني أن أرحب بكم جميعا في افتتاح أشغال هذا الاجتماع التاسع والعشرين لمجلسنا متمنيا لأشغاله كامل التوفيق والنجاح.
واسمحوا لي في البداية أن أهنئ، باسمكم جميعا، الأختين الفاضلتين حليمة الورزازي ونجاة امجيد على اختيار الأولى من قبل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة كعضو في اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، واختيار الثانية مقررة خاصة حول الاتجار في الأطفال واستغلالهم جنسيا، وإذ نعتبر هذا التكليف مصدر فخر واعتزاز للمجلس، نتمنى لهما التوفيق في مهامهما الجديدة. كما أتمنى التوفيق لباقي الأشخاص، من أعضاء المجلس ومن غير أعضائه، الذين رشحهم المجلس لمناصب في إطار المساطر الخاصة بمجلس حقوق الإنسان والتي لم يتم البت فيها بعد.
حضرات السيدات والسادة،
ينعقد اجتماعنا هذا بعد إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي شرع في أداء المهام المنوطة به، والذي كان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قد كلف من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بإعداد رأي استشاري بخصوصه، وبهذه المناسبة أود أن أتقدم بصادق التهاني للأستاذ إدريس اليزمي على الثقة المولوية التي حظي بها بتعيينه رئيسا لهذا المجلس، كما أتوجه بخالص الشكر والتقدير لكافة الأعضاء الذين ساهموا، كل من موقعه، في بلورة هذا الرأي الاستشاري وكذا كل الذين أشرفوا على المشاورات والاستشارات والمهام ذات الصلة بالموضوع.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كان المجلس، في نهاية ولايته السابقة وعند بداية الولاية الحالية، قد ركز جهوده على متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، علما أن بعض مهامه العادية في مجالي الحماية والنهوض بحقوق الإنسان قد عرفت هي كذلك تحقيق نتائج هامة، فإن التقدم الذي أحرزناه جميعا في مجال متابعة تفعيل تلك التوصيات، وخاصة في مجالات جبر الضرر الفردي والجماعي والتغطية الصحية لفائدة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذوي حقوقهم، واستكمال الكشف عن الحقيقة بخصوص حالات مجهولي المصير التي بقيت عالقة، وفتح أوراش للتفكير حول تفعيل التوصيات المتعلقة بالإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، فإن ذلك التقدم يسمح لنا اليوم بالانتقال التدريجي، كما تقضي بذلك التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، إلى العمل على جعل المجلس مؤسسة مستدامة تمارس مهامها الأصلية المترتبة عن اختصاصاتها الموسعة في مجال حماية حقوق الإنسان، كل حقوق الإنسان المدنية والسياسية طبعا، ولكن كذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بمفهومها الشمولي وغير القابل للتجزيء.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كانت الولاية الحالية للمجلس قد ابتدأت في ظروف تميزت بتخصيص حيز هام من أنشطته لاستكمال تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بالتعاون مع الحكومة، والانخراط في تنظيم وتنسيق والمشاركة في ملاحظة الانتخابات التشريعية لسابع شتنبر 2007، واستكمال بعض التكليفات والمهام الممتدة من الولاية السابقة، ومنها بالخصوص الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان وإبداء الرأي الاستشاري حول إنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج، فقد واصل المجلس ممارسة باقي مهامه وصلاحياته. وهكذا، وتنفيذا للتكليف الملكي السامي بخصوص إعداد مشروع ميثاق وطني لحقوق المواطن وواجباته، أطلق المجلس مسلسلا لإعداد وبلورة هذا الميثاق من خلال تكليف فريق عمل مكون من خبراء للاشتغال وفق إطارات مرجعية تراعي فلسفة المجلس ومقاربته الحقوقية في إعداد هذا المشروع الهام تحت إشراف لجنة مكونة من أعضاء من المجلس، وسيلي ذلك تنظيم لقاءات تشاورية وحوارية مع كافة مكونات المجتمع في إطار المقاربة التشاركية التي يعتمدها المجلس.
وفي مجال التعاون والتواصل الخارجي، واصل المجلس استقباله للوفود الأجنبية التي تقوم بزيارات للمجلس بهدف الاطلاع على تجربة بلادنا في مجال العدالة الانتقالية وعلى تجربة مجلسنا ومساهمته في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. وتعزيزا لموقعه ودعم حضوره في مختلف المنتديات الدولية، شارك المجلس في أشغال الدورة السابعة لمجلس حقوق الإنسان علاوة على مواصلته التعاون مع مختلف المنظمات الدولية عبر الحكومية وغير الحكومية وهيئات التنسيق بين المؤسسات الوطنية المماثلة، التي يعتبر المجلس عضوا نشيطا فيها.
وفي إطار ممارسة صلاحية إبداء المشورة للحكومة، واصل المجلس تطوير تعاونه مع هذه الأخيرة للرفع من مستوى مشاركة بلادنا في المحافل الدولية لحقوق الإنسان، كما تجدر الإشارة إلى مساهمة المجلس، في إطار المشاورات بين كل الأطراف المعنية، في تقديم النصح والمساعدة في إعداد التقرير الوطني لبلادنا بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وفي هذا الإطار سيحتضن المجلس يوم الاثنين 31 مارس بمقره لقاء إعداديا يشارك فيه أعضاء الوفد الذي سيقدم هذا التقرير أمام مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 8 أبريل 2008.
حضرات السيدات والسادة؛
إن ما يميز اجتماعنا اليوم كونه يأتي في وقت يشهد فيه المجلس مواصلة بنائه التنظيمي والذي شرعنا فيه منذ الدورة السابعة والعشرين من خلال تجديد هياكل المجلس من مجموعات عمل ولجان خاصة، ولذلك ارتأينا أن يكتسي اجتماعنا اليوم صبغة تنظيمية استمرارا في دعم قدرات المجلس لتمكينه من ممارسة اختصاصاته ومهامه بكفاءة وفعالية. وبناء عليه، فجدول الأعمال المقترح عليكم يتضمن مناقشة والمصادقة على التعديلات المقترح إدخالها على النظام الداخلي للمجلس، من جهة، ومناقشة والمصادقة على برنامج عمل المجلس لسنة 2008 من جهة ثانية.
وعليه، فإن جسامة المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا اقتضت منا مزيدا من الاهتمام بالجانب التنظيمي للمجلس، الذي بدأناه منذ مدة، حيث تم الشروع في هيكلة إدارة المجلس وفقا لمنظام جديد مكن من إعادة تنظيم الشعب الإدارية وإحداث أخرى لمواكبة التطورات الحاصلة في ممارسة مهام المجلس، وتأهيلها وتمكينها من الموارد البشرية ذات الكفاءة المناسبة مما يتطلب إدخال تعديلات على النظام الداخلي.
ومن دواعي إدخال تلك التعديلات أيضا ضرورة توضيح العلاقة بين المجلس ومركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان الملحق به بما يؤمن إدماج المركز ضمن هياكل المجلس مع المحافظة له على قدر من الاستقلالية يسمح له بممارسة مهامه بفعالية وبالمرونة اللازمة.
ومن بين موجبات إدخال تعديلات على النظام الداخلي ضرورة ملاءمته مع التوجيهات الملكية السامية بخصوص إحداث مكاتب إدارية جهوية.
حضرات السيدات والسادة؛
يتضمن جدول أعمال اجتماعنا، كذلك، مناقشة والمصادقة على مشروع برنامج عمل المجلس لسنة 2008، علما أن بعض الأنشطة والمهام المبرمجة تعرف امتدادا خلال ولاية المجلس الحالية. ويراعي هذا البرنامج ضرورة توظيف مجمل التراكمات الحاصلة خلال الولاية السابقة، واستكمال ما تبقى من تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، واستكمال تنفيذ التكليفات والمهام التي أنيطت بالمجلس في الولاية السابقة. كما يستحضر برنامج العمل في محاوره متطلبات المرحلة، التي تقتضي بعث ديناميكية جديدة لأداء المجلس، انطلاقا من المكونات الرئيسية الآتية:
أولا- استكمال تنفيذ المهام المرتبطة بتوصيات هيئة الإنصاف المصالحة وخاصة ما يتعلق منها باستكمال التحريات وجبر الأضرار بكافة أنواعها على أن يتوج هذا المسلسل بتفعيل التوصيات المتعلقة بالإصلاحات التشريعية والمؤسساتية؛
ثانيا- متابعة تنفيذ البرامج المنبثقة عن ممارسة المهام الأصلية للمجلس وفقا للظهير الذي أعاد تنظيمه والتي تدخل ضمن الاقتراحات المقدمة من قبل مجموعات العمل ولجانه الخاصة؛
ثالثا- ملاءمة وتأهيل الأدوات التنظيمية والإدارية.
ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر لكافة أعضاء المجلس ومجموعات العمل ولجنة التنسيق والأطر الإدارية للمجلس على مساهمتهم، كل من موقعه، في إعداد هذا البرنامج وعلى ما يبذلونه من جهود للرقي بمؤسستنا وجعلها في مستوى الثقة التي وضعها فيها صاحب الجلالة حفظه الله.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كان برنامج العمل المقترح عليكم يهم سنة 2008، فإننا على وعي بضرورة العمل على اعتماد تخطيط استراتيجي لأنشطة المجلس بما يضمن ممارسته لاختصاصاته في مجالات الحماية والنهوض بحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية مستقلة ذات اختصاصات موسعة طبقا لمبادئ باريز الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
ويستوجب هذا التخطيط الاستراتيجي، الذي شرعنا في الاشتغال عليه، نظرة شمولية ومندمجة للمدى البعيد تنطلق من التركيز على الأنشطة ذات التأثير المهيكل والموجه لمجالات حقوق الإنسان والتي من بينها أساسا الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان ومسلسل إعداد الاستراتيجية والخطة الوطنيتين حول الديموقراطية وحقوق الإنسان، باعتبارهما إطارين مهيكلين سيسمحان بإدراج أنشطة المجلس ضمن تخطيط استراتيجي بعيد الأمد.
حضرات السيدات والسادة؛
يجدر بنا بهذه المناسبة استحضار ذكرى وفاة فقيدنا العزيز الرئيس السابق للمجلس إدريس بنزكري التي سنعمل على إحيائها بعد أسابيع، وستكون هذه الذكرى مناسبة للوقوف على حصيلة ما أنجز وما هو في طور الإنجاز في الأوراش التي ساهم المرحوم في إطلاقها، وكذا للوقوف على مدى التقدم المحرز في إنجاز المشاريع التي تم إطلاقها بقرية أيت حدو بأيت واحي مسقط رأس المرحوم.
حضرات السيدات والسادة؛
استثمارا للديناميكية التي أطلقها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان منذ إعادة تنظيمه وتوسيع اختصاصاته سنة 2001، والتي دعمها الانخراط في مسلسل تفعيل التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن ضرورات المرحلة تقتضي منا جميعا مواصلة بذل الجهود بنفس الوثيرة سعيا نحو استكمال البناء الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والقانون وحماية حقوق الإنسان والنهوض بها وترسيخ المكتسبات في هذا المجال.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته