الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد محمد ميكو
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات السادة،
وصدق الله العظيم: «وأما بنعمة ربك فحدثى»، «لئن شكرتم لأزيــدنكــم».
لحظات رائعة، ونعم متصلة موصولة، وفقه التاريخ يؤكد أن المغرب ايمان بالإسلام رسالة سماوية خالدة، وحضارة مركبة عريقة، وتطلعات انسانية رائدة، فقد اتـجهت إرادة فقيد العروبة والإسلام جلالة المغفور له محمد الخامس، قدس الله روحه، وإرادة جلالة الملك الحسن الثاني، نصره الله، إلى أن تجعل من المغرب دولة عصرية، محبة للسلم في الداخل والخارج، تعمل على احترام حقوق الإنسان، وارساء دولة القانون، لذلك لما قرر، حفظه الله، مواجهة القصور بمختلف أنواعه وأشكاله، في الوسائل المستخدمة لضمان حقوق الإنسان، أحدث هذا المجلس، وقلد هذه النخبة المتميزة الممتازة نداء الأمانة، فسار على المحجة البيضاء. اعتدال ووقار، مروءة وحوار، مقترحات في مختلف المجالات، تتسم بالفاعلية، والموضوعية، والاتزان، تسعى لسد الثغرات التشريعية والتنظيمية، وتحقيق تطابق الممارسة للقاعدة الحقوقية، والقانون الوطني للاتفاقيات الدولية، اكتسب المصداقية في الداخل والخارج، قال الضيف الكريم، الرئيس الأول لمحكمة النقض الفرنسية السيد Pierre DRAI : «اذا احتاج المجلس الدستوري بفرنسا لأكثر من ثلاثين سنة لينعت قضاته بالحكماء، فان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان استحق ذلك في ظرف وجيز، لذا سنعمل على شرح التجربة المغربية لـقضاة محكـمــة النقض الفرنسية».
والحسنة الكبرى أنه لما قـرر، حفظه الله، أن يطوي نهائيا صفحة ما يسمى بالمعتقلين السياسيين، شرف هذا المجلس، ويا ما أسماه من تشريف، فأمر بعرض الموضوع عليه، لينظر في جميع اللوائح، ويرفع مقترحاته بشأنها في أجل قصير، وسوف أكون مسرورا ¬ يقول جلالته ¬ اذا هو «أي المجلس» أتاني بلائحة كثيرة الأسماء، علما مني ومنه أن هناك استثناء،اذ لا يمكن أن يدخل في هذه اللائحة من لا يعترف بمغربية الصحــراء. فالعفو حق من حقوق أمير المؤمنين، يمنحه بإرادته، قبل تحريك الدعوى العمومية وبعدها، قبل صيرورة الحكم نهائيا وبعده، يحدد دائرة مفعوله، بما في ذلك قيود الأهلية، وسقوط الحق الناتج عنها، ركيزته قوله تعالى: «سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض، اعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين»، وقوله صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة، والمشركون في خوف وهلع، ينتظرون الجزاء عما اقترفوه من آثام، وارتكبوه من أوزار، تـجـاه الرسالة وصاحبها: «ماذا تظنون اني فاعل بكم ؟، قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء».
أصل الدستور مفهومه، فربطه بالمشروعية الإسلامية، وفي نطاقه صدر النداء السامي للذين سلكوا نهج البغاة في الصحراء المغربية ثم تابوا تـوبة نصوحا «إن الوطن غفور رحيم».
السيد الوزير الأول، وزير الخارجية والتعاون يطيب لي ¬أصالة ونيابة عن أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان¬ أن أغتنم هذه الفرصة، لأهنئكم بتعيينكم وزيرا أول لحكومة صاحب الجلالة، وهي التفاتة سامية، وثقة غالية، تستحقونها عن جدارة، وإذ أشيد بمساهمتكم الفاعلة، بمعية السادة الوزراء الأعضاء فيما حققه المجلس من إيجابيات، اعتقد ان انتقاء أحد أعضاء هذا المجلس تشريف له، فكلنا ايمان بأنكم ستدفعون بالمسيرة إلى الأمام، لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان. ان التزامكم بأن القضاء من أولوية الأولويات اختيار حضاري، فلن تتحقق تنمية حقوق الإنسان وصيانتها الا بالحفاظ على مصداقية القضاء ورد اعـتباره.
حضرات السادة،
لقد حققت مجموعات العمل نشاطا مكثفا فيما بين الدورتين، فنفذت برامجها في الميقات المحدد، ودرست كافة النقط المعروضة عليها بعقلية جماعية بناءة، كما أن لجنة المتابعة ستجتمع في الأيام القليلة المقبلة، للتعرف على ماتم تنفيذه، ومالم يقع بعد، مقرونا بالسبب. والنية معقودة على التماس الموافقة المنيفة لاجتماع المجلس في الخمسة عشر يوما الأولى من شهر شتنبر، قصد دراسة التقرير المتعلق بمشروع مدونة الشغـل.
لقد بعثت تقرير الأمانة العامة عن الخطوات التنفيذية المتعلقة بأنشطة المجلس في الأيام الأخيرة، غير أنني، احتراما لهذه اللحظة، وفي جو من الصوفية، والالتحام،والحلول، أقترح أن يبقى الاجتماع التاسع، مقصورا على دراسة الموضوع الذي أحالته الجلالة الشريفة.
لقد وضعت أمامكم الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لعيد ميلاده السعيد، ولنا اليقين أنكم استمعتم إليه بانبهار، درستم منطوقه ومفهومه، اكتشفتم أبعاده الفلسفية، والدينية، والحضارية، والسياسية، والحقوقية، فلنتقيد بالمعايير التي حددها، وبالطريق اللاحب التي رسمها، فاذا كنا في المستوى المطلوب تجاه نداء الأمانة، فمن الضروري أن نسعى جادين لأن نكون في مستوى المسؤوليات تجاه نداء المستقبل، نداء التوافق والتراضي، فالمغرب تاريخ عريق في المجد، لا يبحث عن نفسه، بل يتعين الحرص على أن تبقى أصالته هي أصالته، كلمته مسموعة، شخصيته مرفوعة، هويته محترمة، ولا سبيل إلى ذلك الا بالوحدة والتوحيد، «واعتصموا بحبل الله جميعا».
وفقنا الله جميعا للصالح العام، وجعلنا عند حسن ظن مولانا الإمام في الحال والمآل، وصدق اللــه العظيم : «وأما بنعمة ربك فحدث»، «لئن شكرتم لأزيدنكم» والسـلام.
رئيس المجلس
محمد ميكـو