المذكرة المرفوعة إلى صاحب الجلالة

بسم الله الرحمن الرحيم

نعم سيدي أعزك الله

بكل إجلال وإكبار، واعتزاز وافتخار، وبعد تقديم ما يليق بمولانا الإمام من آيات الولاء والطاعة، والتشبث المتين بأهداب العرش العلوي المجيد، يتشرف الخدام الأوفياء أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بأن يرفعوا إلى حضرة صاحب الجلالة أمير المؤمنين الحسن الثاني أيده الله وأعز أمره، أن المجلس عقد دورته الثانية عشرة في اجتماعي الإثنين 22 ذي الحجـة 1418هـ (20 أبريل 1998م) والإثنين 6 جمادى الثانية 1419هـ (28 شتنبر 1998م)، وذلك تنفيذا للأمر المولوي المطاع، واستنادا إلى المادة الخامسة من الظهير الشريف رقم 1.90.12 الصادر في 24 رمضان 1410هـ (20 أبريل 1990م) المؤسس للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسـان.

وبروح عالية تتسم بالأمانة والموضوعية، درس أعضاء المجلس يا مولاي المواضيع المدرجة في جدول أعمال هذه الدورة دراسة مستفيضة من أجل ايجاد الحلول الناجعة لها، مسترشدين في ذلك بتوجيهات جلالتكم النيرة، ودرركم الغالية واهتمام جلالتكم الدؤوب بتكريس تنمية وتطوير حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وحرص جلالتكم على تمتيع شعبكم الوفي بفضائل الحرية والتعددية، ونهج التناوب في تقلد المسؤوليات وتنوع الإختيارات تنفيذا للتوجهات الحكيمة والقرارات الرصينة التي تميز الديمقراطية الحسنية، مما جعل من مملكتكم السعيدة نموذجا يحتدى به ومنارا يهتدى به.

إن أعضاء المجلس يامولاي يلتمسون بكل إجلال ووقار الإذن برفع الرأي الاستشاري التالي إلى الجناب الشريف أعـز الله أمره وخلد في الصالحات ذكره:

أولا : درس المجلس ما اصطلح عليه بالملفات العالقة من أجل طيها بصفة نهائية ويهم الأمر عددا ضئيلا وقليلا من الأشخاص وتنحصر في ملفي المعتقلين والمختفين.

1- ملف المعتقلين

تدعي فئة من المعتقلين بأن معايير عفوكم الشامل يامولاي الذي تفضلت به جلالتكم بمناسبة عيد الشباب المجيد سنة 1994 تنطبق عليهم، وتلتمس فئة أخرى العفو الملكي الخاص، وقد حصر المجلس عدد أعضاء الفئتين في 48 معتقلا، منهم من ارتكب، كفاعل أصلي وبصفة مباشرة، قتلا أو أدخل أسلحة إلى هذا البلد الأمين، وعددهم عشرون فردا، من ضمنهم ستة أفراد ارتكبوا قتلا عمدا كفاعلين أصليين، يضاف اليهم شخصان ارتكبا جريمة إدخال أسلحة إلى المغرب بقصد التخريب، وسبق أن استفادوا جميعهم من العفو الملكي السامي بتحويل عقوبة الإعدام الصادرة في حقهم إلى عقوبة السجن المؤبد. وقد إرتأى المجلس بعد الإذن السامي، وبالنظر لخطورة الأفعال المرتكبة، عدم اتخاذ أي اقتراح في حقهم.
أما الإثنى عشر معتقلا الآخرين والذين يطلق عليهم «مجموعة طلبة وجدة» المحكوم على كل واحد من أعضائها بالسجن مدة عشرين سنة من أجل إرتكاب جريمة قتل طالب والقيام بأعمال عنف أخرى، فإن خدامكم الأوفياء أعضاء المجلس، يلتمسون من الجناب الشريف الإذن لهم بتعميق البحث وتدقيقه وذلك بواسطة لجنة من المجلس تحدث لهذه الغاية يرأسها قاض من أعضائه على أن تقدم نتائج أعمالها في دورة قادمة للمجلس.

ومن هؤلاء المعتقلين الباقين، وعددهم 28 شخصا، من لم يرتكب مباشرة تلك الجرائم، وإنما قام بأعمال المشاركة فيها أو اقترف جرائم أخرى غير القتل أو إدخال الأسلحة، وقد قضى أغلبهم رهن الاعتقال مدة تتراوح مابين 13و 23 سنة.
يلتمس خدامكم الأوفياء، أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من سيدنا أمير المؤمنين وسبط الرسول الأمين استمرارا لما طبع منهجكم القويم وسيرا على شيم جدكم المصطفى عليه أفضل صلاة وأعظم تسليم من الصفح عن التائب النادم والتطلع إلى ماهو قادم من جليل الأعمال والنافع من النوايا والأفعال، أن يتكرم مولانا الإمام بالتفضل بعفوه الكريم على المعتقلين الآتية أسماؤهم أدناه حسب المجموعات التي كانوا ينتمون إليها:

«مجموعة 71»(ويقصد بالرقم 71 عدد الأعضاء المتهمين بالمس بأمن الدولة الداخلي سنة 1983).

مجموعة 26» (ويقصد بها عدد الأعضاء المتهمين بادخال السلاح الى المغرب للقيام بأعمال تخريبية مرتبطة بالمس بالوحدة الـترابية للمملكة وبتنظيم من الانفصاليين « البوليساريو»)،

«مجموعـة 75» (ويقصد بها تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي لسنة 1975: قضية عمر بنجلون).

«مجموعة طلبة فاس» (المتهم أعضاؤها من أجل احتجاز أشخاص وممارسة العنف).

2-¬ ملف المختفين

درس المجلس قوائم ما يسمى بالمختفين التي حددت انطلاقا مما تتوصل به من مصادر مختلفة مغربية وأجنبية، وحققها بدقـة وموضوعية فتبين للجنة المكلفة بجميع أعضائها أن العدد النهائي لما يسمى بالمختفين لا يتجاوز 112حالة تم عرضها على السلطات المختصة من أجل التقصي والبحث للوصول الى الكشف عن مصير هؤلاء الأفراد، وقد اتضح من البيانات والمعلومات المقدمة للمجلس من السلطات ولاسيما السلطات القضائية والإدراية على لسان وزارتي العدل والداخلية أنه يمكن تصنيف هؤلاء المختفين إلى ثـلاث فئات:

أ¬- المتوفون وعددهم 56 ومن بينهم أجنبي واحـد.

ب-¬ الموجودون على قيد الحياة وعددهم 12 شخصا يستقرون داخل المغرب وخارجه من بينهم شخص أجنبي التحق ببلده الأصلي.

ج- أشخاص يجهل مصيرهم أوهويتهم وعددهم 44 شخصـا (18منهم اختفوا في ظروف غير معروفة، و13 ليست لهم أية علاقة بالعمل السياسي أو النقابي و7 حالات هويتهم غير محددة و6 حالات توجد بشأنهم قرائن قوية على وفاتهم).

يتشرف أعضاء المجلس بالتماس الإذن من سيدنا المنصور بالله من أجل تأسيس لجنة من أعضاء المجلس تتكفل بتدقيق الحالة السالفة الذكر ومواصلة البحث فيها ونشر البيانات المتوفرة لديها والحرص على أن تقوم السلطات المختصة بتسليم شهادة الوفاة للعائلات التي لم تتسلمها بعد، وإخبار العائلات الأخرى بالنتائج التي توصلت اليها اللجنة فيما يتعلق بذويهم، كما يتشرف أعضاء المجلس بإستئذان سيدنا أعـز الله أمره ليتولى أعضاء الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تقديم دراسة شاملة للمجلس تتناول المرتكزات القانونية وكيفية وطرق إصلاح الضرر في مثل هذه النوازل قصد تسهيل مأمورية حكومة جلالتكم عند تصفية هذا الملف وطيه بصورة نهائية.

ومن الجدير بالذكر أن 27 شخصا ممن أفرج عنهم بعد الاختفاء، يتلقون من المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية إعـانـة مالية مؤقتة يصل مبلغها 5000 درهم شهريا لكل واحد منهم.

وستقوم اللجنة المذكورة إذا أذن مولانا الإمام بذلك بتقديم تقرير عن أعمالها إلى الدورة القادمة للمجلس.

وإن خدامكم الأوفياء يا مولاي يستسمحون الجناب الشريف في تقديم تهنئتهم لسيدنا المنصور بالله الضامن لحقوق البلاد والعباد والساهر الأمين على الحريات الفردية والجماعية على ما توصل إليه المجلس من تكوين رأي استشاري في الملفات العالقة بإجماع أعضائه، وماكان للمجلس أن يتوصل إلى ذلك لولا التوجيهات الملكية السديدة والأوامر السامية لمولانا الإمام التي أفضت إلى تقديم الدعم اللازم من السلطات المختصة لعمل المجلس.

ويسعد خدامكم الأوفياء بهذه المناسبة أن ينوهوا في هذا الميدان بالتعاون البناء الذي طبع علاقة هذه السلطات بالمجلس وخاصة السلطات القضائية والإدارية.

ثانيا : درس المجلس سبل تطوير عمله من خلال تفعيل دور مجموعات العمل به ويقترح إعادة تكوينها انطلاقا من نتائج التجارب السابقة واعتبارا لالتحاق أعضاء جدد بالمجلس.

وبالنظر للنشاط المتزايد للخلية الدائمة المنبثقة عن مجموعة العمل المكلفة بالإعلام والاتصال بالمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان وخاصة مايتعلق بمعالجة الشكايات ودراسة التقارير المرتبطة بحقوق الإنسـان الصادرة عن الجمعيات والمؤسسات في الداخل والخارج، فإن أعضاء المجلس يقترحون على السدة العالية بالله أن تتحول الخلية إلى لجنة مستقلة عن مجموعة العمل تتكفل بالتنسيق والمتابعة يترأسها رئيس المجلس وتتركب من رؤساء ومقرري مجموعات العمل ومن كل عضو إرتأى رئيس المجلس اضافته اليها.

ثالثا : قام المجلس بتكليف بعض أعضائه للقيام بعملية مسح لوضعية السجون بالمملكة المغربية ويتشرف الأعضاء بأن يرفعوا هذا التقرير ومرفقاته إلى السدة العالية بالله مستأذنين جلالته في أن يتابع المجلس دراسة موضوع تطوير المؤسسات السجنية بما يحفظ حقوق الإنسان وذلك بالتعاون مع المؤسسات المختصة وعلى الخصوص وزارة العدل، وبدراسة إمكانية تسليم هذا التقرير بعد طبعه للجهات التي يرى في ذلك مصلحة.

رابعا : استعرض المجلس أهم الطفرات التي تحققت في مجال تنمية وتطوير حقوق الإنسان بمملكتكم الزاهرة تنفيذا لتوجيهاتكم الرشيدة ورعايتكم الدؤوبة، وأوامركم الحكيمة، ولاحظ الأعضـاء أن بعض الفعاليات في مجال حقوق الإنسان وخاصة الأجنبية منها ليست دائما على دراية كافية بما اهتدى إليه المجلس من أعمال ومقترحات في مختلف المجالات والتي باركتها دائما جلالتكم المنيفة جملة وتفصيلا.

ومن أجل ذلك يستأذن خدامكم الأوفياء أعضاء المجلس مولانا أمير المؤمنين في نشر ثمرات أعماله بانتظام ليتسنى للرأي العام الوطني والأجنبي الاطلاع عليها والوقوف على أبعادها ومراميها، وفي العمل مستقبلا على إصدار نشرة للتواصل تعرف بأنشطة المجلس التي ليس من شأنها أن تمس بسرية بعض أعـمـالـه.
ولسيدنا المنصور بالله الرأي السديد، والتوجيه الحكيم دام له النصر والتمكين.

حفظ الله مولانا الإمام بما حفظ به الذكر الحكيم وأدام عليه نعمة الصحة والعافية في الحل والترحال والحال والمآل، وأحاطه بسياج من ألطافه الربانية وأيده باستمرار تدفق أنعامه وأقر عينه بولي العهد المحبوب الأمير الجليل سيدي محمد وصنوه السعيد الأمير المولى الرشيد وكافة أعضاء الأسرة الملكية الشريفة إنه سميع مجيب.

والسلام على المقام العالي بالله ورحمته تعالى وبركاته.

وحرر بالرباط في يوم الاثنين 6 جمادى الثانية 1419هـ (28 شتنبر 1998م)

الخديم الوفي

رئيس المجلس

إدريس الضحاك