أنتم هنا : الرئيسيةالتوثيقدورات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان: 1990-2010الدورة السابعة - 6 ماي 1993الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس السيد العربي المجبود

  • تصغير
  • تكبير

الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس السيد العربي المجبود

بسم الله الرحمان الرحيم

أصحاب المعـالـي

سيادة الأمين العام

حضرات الســادة

يوم خالد ذلك اليوم الثامن من شهر مايو 1990، الذي نحتفل بذكراه الثالثة، والذي شكل نقطة تحول ذات أبعاد حاسمة في اكتمال دولة الحق والقانون، وأبرز المكانة الفائقة لحقوق الإنسان في هذه الحقبة الأخيرة للقرن العشرين، كما يراها المجتمع الدولي والمنظمات الدولية التي تهتم بهذا المجال والعزم الراسخ لجلالة الملك لجعل حد لكل التجاوزات والتصرفات غير المشروعة التي قد تسود وجه هذا البلد العريق في الحضارة والتواق، من خلال صيانة كرامة المواطن إلى المكانة السامية بين الأمم.

ولازال الصوت الملكي الكريم يتردد في آذاننا ونحن نستمع إلى خطاب جلالته، الذي شكل بروعته واتزانه وحكمه، درسا تاريخيا وأخلاقيا كان له في المجتمع المغربي، على اختلاف شرائحه اعظم واقوى الاثر.

أمام نخبة من شخصيات حكومية وسياسية وثقافية ضمت الوزير الأول ومستشاري صاحب الجلالة ورئيس مجلس النواب ووزراء ورئيس المجلس الأعلى والوكيل العام لديه، وجامعيين وأعضاء الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى، وكبار ضباط القوات المسلحة الملكية والرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها وممثلي الأحزاب السياسية والنقابات والمهن، القى جلالة الملك، حفظه الله، الذي كان محفوفا بصاحب السمو الملكي الأمير المحبوب المولى الرشيد خطابه السامي في جو من الخشوع. قال جلالته متجها إلى الحضور، ومن خلالهم إلى الشعب بأسره:
«تعلمون كلكم أن هذا البلد الأمين، منذ أن قيض الله سبحانه وتعالى له قائدا ملهما وحفيدا لخاتم المرسلين وداعيا إلى الله وسنة رسوله المولى إدريس الأول رضي الله عنه، إلى يومنا هذا، كان طموحا دائما إلى ان يتبوأ في المجتمع الدولي، وفي مصاف الأمم المكان المرموق والدرجة السامية.

وقد دل تاريخنا، وما أتى به من خلق وإبداع، ومن مساهمة جبارة في العلوم والفنون والحضارة والفقه والقانون، على أن بلدنا كان دائما يعتبر نفسه يعيش في مجتمع راق وبين الدول والأمم الراقية والمتقدمة. لذا كان بلدنا المغرب يضع دائما سياسته وبرامجه في إطار كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم. وكل منا يعترف ويؤمن بان كتاب الله هو الفاصل أو الفيصل بين الحق والباطل، وأن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي المحجة البيضاء الأخرى التي لا يزيغ عنها إلا هالك لما فيها من حفاظ على حقوق الجماعات وحقوق الأفراد ولما فيها من صيانة الأخلاق والفضيلة، تلك الفضيلة التي تطبع تاريخ الأمم وسيرة المواطنين.

وقد سار ملوكنا، رحمة الله عليهم، سيرة المؤسس الأول والأكبر وبالخصوص سار والدنا المنعم طيب الله ثراه في هذا الطريق وعلى هذه السنة».

بهذه الكلمات المؤثرة، حضرات السادة، استهل جلالته خطابه المجيد ونحن كلنا عيون وآذان.
ولقد اشرأبت أعناقنا، وكادت تبتل اجفاننا تأثيرا، عندما توجه إلينا جلالته، نحن أعضاء هذا المجلس، قائلا أعزه الله.
«هذه أمانة على أعناقكم حتى لا يبقى في هذا البلد رجل لا يتمتع ولو محكوما عليه، بالكرامة الضرورية، أو لم يتم له أن يتمتع بجميع الضمانات التي يعطيها القانون».

« مهمتكم هي أن تغسلوا للمغرب وجهه...»
«فيا أعضاء هذا المجلس أناشدكم الله، بنزاهتكم ووطنيتكم، أن تعينوني على إرجاع الحق لمن اغتصب منه، وان تعينوني على أن نرفع جميعا هذا البلد إلى مستوى الدول المتحضرة، دول القانون، وأناشدكم أخيرا ان تكونوا حقيقة أنتم المدافعون إما إيجابيا أو سلبيا. ايجابيا ان تقولوا في هذا الملف خرقت حقوق الإنسان أو سلبيا في هذا الملف لا خرق لحقوق الإنسان وإنما هذا كذب وتلفيق وزور».

«فالأمانة لا يمكنني ان أتخلى عنها لالبسكم إياها ولكن أقول لكم : إن الأمانة نقتسمها الآن أنتم وأنا».
فشعرنا جميعا بثقل العبء وجسامة المأمورية وعظمة المسؤولية وفي ذات الوقت بمدى محبتنا لملكنا العظيم وبرغبة قوية للانحناء على اليد الملكية لملئها بالتقبيل وجها وظهرا تقبيلا حاميا مفعما بالتفاني في الولاء يشفي الغليل ويروي ظمأ التعلق بشخص العاهل الشهم المغوار.

مرت إذن ثلاث سنوات على تأسيس مجلسنا الاستشاري، ثلاث سنوات حافلة بالعطاءات والإنجازات الفائقة واللقاءات على المستويين القومي والدولي كان لها الاثر المحمود في الداخل والخارج، وأظهرت المغرب لذوي النوايا الحسنة في صورته الحقيقية كدولة عريقة في المجد ذات تاريخ حضاري من العظمة بمكان، متشبثة بالمبادىء الإسلامية السمحاء، نظامها ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية السيادة فيها للأمة مؤمنة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ملكها أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضمان دوام الدولة واستقرارها، وحامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات.

حضرات السادة،
دون أي مغالاة فان التقييم الموضوعي لحصيلة منجزات المجلس، منذ تأسيسه، ايجابي إلى أبعد حد نظرا للمدة الوجيزة التي مرت على إنشائه.

فأخذا بالاعتبار ان المسطرة الجنائية التي تنظم شروط المعاقبة على ارتكاب الجرائم، يجب أن تراعي في العقوبة الحصول على نتيجتها المتوخاة، من جهة، وضمان حرية المواطنين من جهة أخرى وأن تكون واضحة ومتسمة بالسرعة وجاعلة البراءة هي الأصل مع تحديد مدد الإعتقال في أقصر الآجال وضمان حرية المنزل وحرية الدفاع، سعيا إلى حماية المواطنين مما قد يقترف من تجاوز كما جاء في عرض مشروع قانون المرافعات الجنائية الصادر في 10 فبراير 1959، وافق جلالة الملك نصره الله على اقتراحات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بشأن ادخال تعديلات على هذا القانون تهم بالخصوص الوضع تحت الحراسة والمراقبة الطبية واعتبار الايداع في السجن، من لدن النيابة العامة، مجرد إمكان وحق المتابع في اختيار محام لمؤازرته ابتداء من أول استنطاق قضائي والتخفيض من مدة الإعتقال الاحتياطي.
كما يعد من منجزات المجلس وجوب تقيد النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالسجون بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والقواعد النموذجية الدنيا التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين ومشاركة القضاء في تنفيذ العقوبات.

من جانب آخر تمت الموافقة الملكية السامية على تعامل المجلس مع الصحافة الوطنية والأجنبية وتأسيس خلية تنسيقية تمثل فيها خاصة وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون ووزارة العدل، تكون مهمتها السهر على تحقيق تطابق القانون الداخلي مع مقتضيات الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، التي صادقت عليها المملكة المغربية وتأسيس قنوات الإتصال مع المنظمات الدولية، وتدريس مادة حقوق الإنسان في بعض المعاهد والمدارس وتشديد المراقبة القضائية على ضباط الشرطة القضائية.

كما يجدر لفت النظر في هذا السياق إلى الأوامر الملكية السامية بخصوص تأسيس لجنة للمتابعة، قصد السهر على تنفيذ المقترحات التي حظيت بالموافقة الملكية، وبإحالة مشروع المسطرة الجنائية، والمشاريع التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالسجون، على المجلس لدراستها وتكوين مجموعة عمل يعهد إليها بدراسة وضعية المحتجزين بمخيمات تيندوف.
وبخصوص ما قام به المجلس، دفاعا عن حقوق إخواننا المحتجزين، يجدر التذكير بما اتخذ من مواقف مشرفة وصارمة إزاء الوضع المخجل السائد في مخيمات تيندوف وما يعانيه إخواننا المحتجزون، من سوء المعاملة وإهانة وبطش وخروقات فادحة لأبسط حقوق الإنسان.

ولقد كان، ولا ريب، لتلك المواقف النبيلة والاتهامات اللاذعة الموجهة إلى الانفصاليين أعداء الوحدة الترابية والعاملين ضد التيار في مسلك أعظم خيانة عرفها تاريخ المغرب، بغية بتر عضو عامل وحي من جسم الوطن، كان لتلك الموافق الصدى المنتظر خارج الحدود المغربية بلفت نظر الرأي العام الدولي، والمؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان، إلى تلك الأعمال الوحشية.

ونحن نسجل أن منظمة العفو الدولية، التي كانت دوما لا تعير اهتماما لما يقترف من انتهاكات لحقوق الإنسان من لدن البوليساريو، أدانت لأول مرة هذه التصرفات اللا إنسانية، إذ أفادت أجهزة الإعلام اللندنية، في أواخر شهر فبراير المنصرم، أن تلك المنظمة عبرت عن قلقها إزاء الانتهاكات الصادرة عن البوليساريو باحتجاز معتقلي الرأي، وبصفة سرية وطويلة الأمد أحيانا، وكذا تعذيب وقتل المعارضين.

وهذا الاعتراف بالواقع الذي لا غبار عليه يزيح الستار عن فظائع مخيمات تيندوف، وما يرتكبه المرتزقة من جرائم وحشية يندى لها الجبين وتشمئز منها الضمائر.

وإذا كان لي ما أضيف، في هذا الميدان، أرى جديرا بالانتباه إلى أن الاقتراحات المرفوعة، من لدن المجلس، إلى السدة العالية بالله إثر الاجتماع السادس، الذي انعقد بتاريخ 2 فبراير 1993، والتي حظيت بالموافقة الملكية السامية فسحت المجال على آفاق شاسعة الأطراف كفيلة بتمهيد السبيل وتبسيط الطريق المؤدي إلى حقل مليء نشاطا، جدير بالتحرك في جميع الاتـجاهات التي تنصب في معين الكرامة.

أجل فبعدما وافق جلالة الملك، تواليا، على تأسيس أربع مجموعات عمل، يعهد إلى الأولى بالوضع تحت الحراسة والإعتقال الاحتياطي والتي تحولت إلى مجموعة عمل مكلفة بالتشريع الجنائي وحقوق الإنسان، والثانية يعهد إليها بوضعية السجون، والثالثة بالإعلام والإتصال بالمنظمات الدولية والرابعة بالوضعية الخطيرة لحقوق الإنسان في مخيمات تيندوف، تفضل حفظه الله فوافق على إنشاء مجموعة عمل خامسة تكلف بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
ولست بحاجة إلى إبراز ما لهذه المجموعة الأخيرة من أهمية بالغة سيما وأن المغرب يخوض حاليا معركة الإقتصاد على جميع الأصعدة.

وبالفعل، لقد سبق لصاحب الجلالة الملك المعظم، نصره الله، كما تعلمون عندما تشرفت لجنة البحث والتقصي في أحداث فاس يوم 24 ديسمبر 1991 بالاستقبال المولوي الكريم بالقصر الملكي العامر بمراكش، أن توجه حفظه الله بخطاب سام إلى أعضاء اللجنة أكد على ضرورة انكباب المجلس على المسائل الإقتصادية والإجتماعية التي تمت لحقوق الإنسان بصلة، مبرزا، حفظه الله، وجوب صيانة كرامة المغربي في هذا المجال الذي من حقه أن يعيش بعيدا عن الفاقة وفي ظروف تسمح له بالتوفر على الحاجيات الدنيا.

إن هذه التعليمات تندرج في إطار يتلاءم ومهام المجلس الوطني للشباب والمستقبل الذي تفضل صاحب الجلالة بإنشائه وما له من آفاق شاسعة في حقل الإقتصاد، في أوسع معانيه، بغية محاربة البطالة.

وفي نفس السياق، ورغبة من سيدنا، المنصور بالله، في الدفع بالجانب الإقتصادي إلى المستوى اللائق بدولة تسير بخطى ثابتة، نحو الإلتحاق بالدول المكتملة النمو أبى نصره الله إلا أن يتضمن الدستور المراجع إنشاء مجلس اقتصادي واجتماعي يعهد إليه بتقديم الاستشارة لكل من الحكومة ومجلس النواب في جميع القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي، وبالإدلاء برأيه في الإتجاهات العامة للاقتصاد الوطني.

وها مولانا الملك، أعزه الله، بموافقته الشاملة على ما تضمنته بحذافيره المذكرة المرفوعة إلى الجناب الشريف اثر الاجتماع السادس يوافق على تأسيس مجموعة عمل تكلف خصيصا بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
ويتجلى بوضوح أن كل هذه المبادرات المتوالية تكون في هذا المجال عناصر تتشابك وتتداخل بعضها في بعض لتشكل وحدة متجانسة ومتلاحمة الأجزاء نتيجة سلسلة من الإنجازات المباركة تسير في اتجاه واحد.

وإذا اعتبرنا أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية، يضمن الحق في العمل واختيار العمل ومساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وفي مكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل، دون أي تمييز، وسلامة الصحة والاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، وحق تكوين النقابات وإنشاء اتحادات نقابية وحق الإضراب وتوفر الضمان الاجتماعي والتأمينات والغذاء والكساء والمأوى والوقاية من الأمراض الوبائية والمهنية وحق التعليم والمشاركة في الحياة الثقافية، فان معظم هذه الحقوق يضمنها دستورنا وقوانيننا الداخلية وتجد بالتالي في شرعتنا الوطنية الأرضية الملائمة لها وقابلية لبلورتها وتطويرها حسب الإمكانات المادية للدولة.

حضرات السادة،

أبى إذن مولانا الملك أمد الله في عمره إلا أن ينعم علينا بموافقته التامة والشاملة على مقترحاتنا التي رفعت إلى جنابه المنيف الأمر الذي يعد عبارة واضحة عن الرضى الملكي، الذي نحظى به جميعا وعلى الثقة الغالية التي يشرفنا بها أمير المؤمنين، وفي نفس الوقت على جدية وجودة العمل الذي ننجزه وايجابية المقترحات التي نرفعها إلى السدة العالية بالله، والكفيلة بالمساهمة في إرقاء المغرب إلى ما يصبو إليه جلالته من عز وكرامة تحت قيادته الرشيدة.

ان الموافقة الملكية على مقترحات المجلس الأخيرة، والتي لا تخلو من أهمية بالغة، ولا تقتصر فحسب على تكوين مجموعة عمل تتكلف بدراسة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية تتسم بطابع خاص ذي أبعاد متعددة وتشكل منعطفا حاسما في مواصلة الخطى المتواترة نحو تحقيق الأهداف المتوخاة وتسمح للمجلس بإنجاز حركاته في حقل أوسع وأكثر شمولية.

ان النشاط الذي ستعرفه مجموعات العمل المنبثقة عن المجلس، وتقيد هذه الأخيرة بوجوب انعقاد اجتماعاتها مرة في الشهرين، وكلما اقتضت الضرورة ذلك، من شأنه فعلا أن يضفي على مؤسستنا دينامية من الإيجابية بمكان، سوف تدفع به إلى طي المراحل في اتـجاه ترسيخ دولة الحق والقانون داخل إطار المنظمات الدولية وطبقا لما تقتضيه مواثيقنا من مبادىء وحقوق وواجبات.

ولست بحاجة إلى الإلحاح على إبراز ما لهذا القرار الملكي السامي من فائق الأهمية اعتبارا لما يعطي للمجلس من نفس جديد ويخضع عجلاته لسرعة أقوى ويؤهله إلى توسيع أنشطته دون تـجاوز حدود اختصاصاته.

وبمجرد ما تفضل صاحب الجلالة بموافقته على اقتراحاتنا شرع المجلس فورا على مستوى الوفود ومجموعات العمل، في تنفيذ برنامجه.

وهكذا نظمت في فاتح مارس من هذه السنة ندوة صحفية شارك فيها بجانب السيد الأمين العام عدد من السادة الأعضاء من مختلف المشارب.

ولقد كانت فرصة ثمينة لتسليط النور على بعض مناطق الظل الخاصة بالمجلس وتقديم بيانات عما انجزه هذا الأخير في مجال حقوق الإنسان وتطويرها وصياناتها.

وعلى الرغم طبعا من اختلاف الآراء والتيارات السياسية فلقد اجمعت الصحافة الوطنية على التعبير عن ارتياحها عن تلك المبادرة وما قد يكون لها من أبعاد حميدة.

ولم تمض أقل من عشرة أيام حتى عقدت جلسة عمل مع السيد وزير الداخلية والإعلام شارك فيها عن المجلس إضافة إلى السيد الأمين العام، كل من رؤساء مجموعات العمل المكلفة بالإعلام والإتصال مع المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان وبالتشريع الجنائي وحقوق الإنسان وبدراسة الوضعية في السجون، ولقد أكد السيد الوزير، أثناء هذا اللقاء كامل استعداد الحكومة لتقديم الدعم الواسع سعيا إلى تطوير حقوق الإنسان في بلدنا مشيرا، في هذا السياق، إلى أن جميع المقترحات التي تقدم بها المجلس إلى السدة العالية بالله وحظيت بالموافقة الملكية الكريمة تم تعميم محتوياتها في مرافق الإدارة بكاملها وبلغت إلى ولاة وعمال صاحب الجلالة مع الإلحاح على احترامها وتطبيقها.

وأضاف السيد الوزير أنه تطبيقا للتوجيهات الملكية السامية فان جميع ما تم تقريره بصفة نهائية وقعت دراسته بفائق السرعة والجدية اللائقتين من لدن الإدارة داعيا إلى مواصلة اتصال المجلس بكافة المصالح الإدارية للانكباب على جميع الملفات الشائكة بغية ايجاد الحلول الملائمة لها في إطار دولة الحق والقانون.

وفي اليوم الموالي، أي في 11 مارس 1993، أصدرت وزارة العدل بيان حقيقة أكدت فيه ان جميع السجناء يعاملون بمساواة دون أي تمييز، موضحة أنه لا يمكن الحديث عن وصف للمعتقلين¬ باستثناء عزل الأحداث عن الرشداء والاحتياطيين عن المحكوم عليهم والمكرهين والنساء عن الرجال ¬ وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي امتياز أو تساهل لفائدة سجين دون الآخر، حفاظا على سلامة تدبير شؤون المؤسسات والمعتقلين أنفسهم.

وأثار البيان الانتباه إلى أن الوزارة تعتني بإعادة إدماج المعتقلين بعد الإفراج عنهم وان النزلاء الذين حصلوا على شواهد داخل المؤسسات السجنية، خلال الخمس سنوات المتراوحة بين 1986 و1991، بلغ 5855، وأن الإتصال مرتبط مع وزارة التربية الوطنية وعمداء الجامعات قصد مساعدة السجناء على التسجيل واجتياز الامتحانات وإعفائهم من الشروط التي يخضع لها الطلبة كالمنع من إعادة التسجيل عند الرسوب.

ولا يسع المجلس إلا أن يسجل، بارتياح، ما جاء في هذا البيان راجيا المزيد من تحسين وضعية السجون وتخصيص اعتمادات كافية من ميزانية الدولة في هذا الصدد.

وفي إطار نشاط المجلس، منذ اجتماعه الأخير عقد السيد وزير الداخلية والإعلام جلسة عمل بتاريخ 16 مارس المنصرم مع مجموعة العمل المكلفة بالإعلام والإتصال التابعة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بحضور السيد الأمين العام.

وأثناء الاجتماع أثيرت مسائل مختلفة تهم حقوق الإنسان أو مرتبطة بها أو بما يتعلق بنشاط المجلس، ومن النقط التي استأثرت بالاهتمام برنامج المجلس المقبل، والذي يتضمن بالخصوص تظيم لقاءات مع عدة منظمات حقوقية والتفكير في تخليد الذكرى الثالثة لتأسيس المجلس، وانتهاز الفرصة للتعريف بما حققه سواء عن طريـق تنظيم يوم دراسـي أو نـدوة تليفزيونية.

كما أثيرت مسألة الحصول على الجوازات والتحضير للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، الذي سينعقد يوم 14 يونيو القادم في فيينا، وإعداد برنامج عمل يهم المجموعة المكلفة بالمحتجزين في مخيمات تيندوف.

وأكد السيد الوزير ارتياحه لرغبة المجلس في تعميق التعامل والتعاون مع مصالح وزارته، مذكرا بوجود خلية بها تهتم بكل ما يصلها من المجلس، والاعتناء بالرد عليه في أقصر الآجال.

ومن الجدير بالذكر اجتماع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في شخص أمينه العام وممثلي الاحزاب السياسية ورؤساء ومقرري مجموعات العمل، في أواخر شهر مارس، مع المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية.

ولقد عقب السيد الكاتب العام للنقابة على العرض الذي قدمه السيد الأمين العام للمجلس، حول الوضع في السجون، وبعض الوفيات بها، ومسألة حجب جوازات السفر عن بعض المواطنين، بكلمة نوه فيها بالمبادرة إلى الاجتماع بالمكتب الوطني للنقابة، مبرزا اهتمام النقابة بحقوق الإنسان وأن الصحافة مجندة للدفاع عن هذه الحقوق وبانها عضو ملاحظ في الهيئة الافريقية للدفاع عن حقوق الإنسان وتتصدى من خلال عملها في هذا المنتظم الدولي، للدفاع عن الوحدة الترابية للوطن ومواجهة خصومها.

وجرى تبادل الآراء حول أهمية إحاطة الصحافة، ومن خلالها الرأي العام، بنشاط المجلس وتقديم بيانات من لدن الأجهزة المختصة بشأن ما ينشر من خروق وتجاوزات.

ولقد استحسن أعضاء المجلس ربط اتصالات دورية مع الصحافة لما في ذلك من فوائد شتى.
وفي نطاق تنفيذ برامج المجلس تم أيضا، لقاء بين أعضاء لهذا الأخير والسيد الأمين العام، مع المكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان يوم 16 أبريل، وقع اثناءه تبادل الآراء في المسائل ذات الاهتمام المشترك.
كما تـجدر الإشارة في هذا الإطار إلى ان رئيس اللجنة الاستشارية الفرنسية لحقوق الإنسان، السيد بول بوشي وأمينها العام السيد جيرار فلوس، قاما بدعوة من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بزيارة للرباط استغرقت ثلاثة أيام، ابتداء من 2 ماي الجاري، تمت أثناءها لقاءات متوالية بينها ومجموعات العمل المكلفة بالإعلام وبالتشريع الجنائي وحقوق الإنسان وبالوضعية في السجون. وكانت هذه اللقاءات فرصة لتبادل المعلومات وتأسيس مناهج التعاون وتبادل الخبرات، تلك اللقاءات التي أسفرت عن نتائج جيدة كان لها الوقع الحسن على مستوى الطرفين.

حضرات السادة،

نحن أكثر الناس يقينا بان درجة احترام حقوق الإنسان أصبحت معيارا تقاس به مكانة الأمم على الساحة الدولية، وما ينعكس عن ذلك على مستوى العلاقات الإقتصادية والإجتماعية والدبلوماسية. ان المغرب في هذا المجال لا يشعر باي مركب بل بقي كما كان من قبل ولم يزل مرفوع الرأس فخورا بنفسه، في غنى عن كل درس من أي مصدر أتى.
وإذا كانت هناك فعلا خروقات وتجاوزات فلا يجوز ايعازها إلى الدولة بوصفها شخصا معنويا يمثل قانونا أمة تتكون من الأفراد الذين يقيمون بصفة دائمة في رقعة ترابية معينة وتشرف عليهم هيئة حاكمة ذات سيادة بل من أشخاص ذاتيين يستغلون السلطة المخولة إليهم للبطش بالناس إرضاء لغرائزهم، تـجاهلا لليمين التي أدوها عند تسلمهم المناصب التي يحتلونها، وخيانة للأمانة المطوقة لأعناقهم.

بيد ان خرق مبادىء حقوق الإنسان ظاهرة بشرية لا تستثني منها أي دولة، مهما بلغت درجة حضارتها وصرامة أحكام تشريعاتها، والمغرب تلك الدولة الخاضعة لهيمنة القانون، المتمسكة بتلك الحقوق وصيانتها، يعرف هو الآخر هذه الظاهرة، لكنه لا يقف مكتوف الايدي أمامها، بل يحاربها بجميع الوسائل المشروعة ملكا وحكومة وقضاء. وكل ذي نية حسنة مسلح بالشجاعة الكافية الكفيلة بالسماح له بالقاء النظر على الحقيقة والاعتراف بها لا يستطيع أن ينكر المساعي المبذولة للقضاء على هذه الظاهـرة.

حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، تشكل طريقا طويلا ووعر المسالك لم تستطع بلوغ أهدافها بكاملها حتى الدول المكتملة النمو والتي تنادي صباح مساء بمبادئها.

ان ترسيخ مبادىء على مستوى دولة بكاملها، وتقويم الاعوجاجات المتجذرة في بعض العقليات المتأخرة، لا يمكن ان يتم بين ليلة وضحاها وبمجرد ضربة بالعصا السحرية.

ومهما يكن من أمر فان كل من تتبع الأحداث الأخيرة لاحظ أن التهاون بحقوق الإنسان وانتهاك حرمات الناس، والمس بكرامتهم، لا هوادة في زجره باقصى العقاب دون رحمة ولا شفقة.

إن هؤلاء الأعداء للشعب المغربي الذين بأعمالهم الوحشية إرضاء لغرائز بهائمية واستغلال نفوذهم وتحريفهم للسلطة لا غراض شخصية، يسودون سمعة هذا البلد الطيب العريق في الأصالة البيضاء الصافية البلور.

ان الأحداث التي أشرت إليها وما ناله مرتكبوها من شر الجزاء، كانت مناسبة لتقديم البرهان القاطع ان كل من سولت له نفسه انتهاك حقوق الإنسان، بأية طريقة كانت، سيضرب على يده بمنتهى القساوة.

وهكذا تواصل مسيرتنا زحفها في اتـجاه الأهداف النبيلة التي نعمل من أجلها، ونسعى جادين في تحقيقها استكمالا لما انجزناه في هذا المجال، أثناء فترة قصيرة من الزمن، والذي يعد اكتسابا رائعا يحق أن نباهي به ونعتز. إننا نتقدم باستمرار في النهج المنسجم مع مفاهيم العصر كدولة حق وقانون مقرة «بان لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم ومن حقوق متساوية وثابتة يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم».

لأننا دولة قانون منذ كنا ولم يكن المغرب إلا دولة قانون كما قال صاحب الجلالة بالامس القريب. وما نهدف إليه في نطاق مؤسستنا لا يتعدى أن يكون بمثابة إضفاء الثوب الذي أعدته لنفسها الأمم المتحدة حسب الشكل والمقاييس التي يتضمنها ميثاقها.

إن القانون، سماويا كان أو وضعيا، كان دائما هو المهيمن في المغرب، ويشهد بذلك تاريخنا المطبوع مدى القرون والاحقاب بمبادىء الإسلام الحنيف الذي كرم بني آدم، وحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الأخلاق الفاضلة ومحبة المرء لأخيه والتضامن في سبيل الخير واجتناب الاضرار بالناس، والابتعاد عن الظلم على اختلاف ضروبه.

ويمكن القول إن جميع مرافق الدولة مجندة آنيا في سبيل احترام حقوق الإنسان وإرساء دولة الحق والقانون، بمفهومها الدولي وفق ما تتضمنه العهود والمواثيق الدولية، التي صادقت عليها المملكة.

والفضل الأكبر والأسمى لهذه الإيجابيات يرجع إلى حضرة صاحب الجلالة الحسن الثاني، نصره الله، وأيده الذي أسس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وأنعم عليه بالعمل تحت رعايته السامية مباشرة، وقدم إليه، حفظه الله، الدعم المادي والمعنوي وشجعه برضاه وارتياحه إليه وتنويهاته المتوالية.

حفظ الله مولانا الإمام وأبقاه حصنا حصينا لحقوق أفراد شعبه المتفاني في حبه، وأنعم عليه دوما بوافر الصحة والعافية وأعانه فيما يبذله من جهد متواصل لاسعاد هذه الأمة وأبقاه ذخرا للعروبة والإسلام، وسدد خطاه في سبيل الخير والسلام وأقر عينه الكريمة بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل سيدي محمد وشقيقه الأمير المحبوب صاحب السمو الملكي المولى الرشيد وسائر الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

رئيس المجلس

محمد العربي المجبود

أعلى الصفحة