الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد محمد ميكو
بسـم الله الرحمن الرحيـم
حضرات السادة
شرف صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله صدر هذه المؤسسة الموقرة بوسام الرضى والعناية، والعطف والرعاية، فقال في فقرة من درره الغالية لخطاب العرش: «... لذا أنشأنا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي برهن على فعالية مثالية في إنجاز مهمته، وأثار انتباهنا بكل اخلاص وولاء وموضوعية، إلى كل ما ينبغي أن يتخذ في مجال حقوق الإنسان، مما يضمن رفع مستوى المغرب بين البلدان الكبيرة، الحريصة على الحفاظ على تلك الحقوق والذوذ عنها...».
وإذا كنا نقدر هذه الالتفاتة حق قدرها، فان فضيلة الوفاء والولاء تحتم علينا مواصلة التقيد بنداء الأمانة في مروءة ووقار، واعتدال وحوار، لصالح تطوير وتنمية حقوق الإنسان، ضمن المرجعية المنبثقة عن اختيارات الحركة الوطنية، بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، وعضده الأيمن، وارث سره، جلالة الملك الحسن الثاني أطال الله بقاءه، المرتكزة على الرسالة الإسلامية الخالدة، والحضارة المغربية المركبة العريقة، والمواثيق الدولية. ألم يقل فقيد العروبة والإسلام، قدس الله روحه، بعد رجوعه بيومين من المنفى: «فالاستقلال وسيلة تمكن الشعب من التمتع بأطيب الثمرات التي أنتجتها الحضارة العصرية، والتطورات العالمية، من تحرير قومي، وتعميم للحريات والديمقراطية، واعتراف بحقوق الإنسان طبقا للتصريح العالمي الشهير»، ألم يؤكد صاحب الجلالة «بأن من جاهد من أجل الحرية لا يمكن الا أن يكون معها، ومن ناضل من أجل فرض حقوق الإنسان والمواطن على الاستعمار لا يكون الا وفيا لها في عهد الاستقلال، بشرط أن لا يقع المس بقدسية مفاهيم المثل، وأن تحترم قدسية الواجبات واحترام قدسية الحقوق، وان تمارس الحقوق والحريات في نطاق المسؤولية لئلا تعبث بها الفوضى»، فالمغرب بلد الأصالة والحداثة، بلد التفتح والتعاون، يسعى إلى التطور والتطوير، والتجديد والتغيير، بحثا عن الأفضل، يسعى إلى ترسيخ دولة القانون، يرحب بالنقد الذي تستقطبه الموضوعية، ويرفض غوغائية التشهير والتحريض في تقارير أو توصيات أجنبية، ظاهرها موشح بحقوق الإنسان، وباطنها مصرح بالإعراض عنها، لبس منها الإيمان بالظلم، مذلة للاقدام، وسم يدب في باطن الظلام.
لقد درس المجلس الملفات التي صدر الأمر السامي بمناقشتها، فالتمس إصدار العفو الكريم على المعتقلين السياسيين الذين لا يتجاوز عددهم أحد عشر، وعلى المحكوم عليهم من أجل جرائم مرتبطة بالأحداث المؤلمة، وعددهم 413، وعلى النازحين المحكوم عليهم او المتابعين ضمن نفس المعايير، مشيدا بقرار الحكومة القاضي بتصفية ملف المختفين، والأمر يتعلق بعدد قليل يرجع إلى تاريخ بعيد، معبرا عن رغبته في تصفيته في أخصر الآجال، ضمن مبادىء حقوق الإنسان.
ودعا السلطات التونسية ¬ وهو يستعرض التاريخ المشترك الذي صنعته الحركة الوطنية في البلدين الشقيقين ¬ إلى معاملة المواطنين المغاربة، الموجودين بديارها، معاملة تتقيد بمقتضيات معاهدة اتحاد المغرب العربي، وبقواعد حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. كما نفذت مجموعات العمل برامجها في الميقات المحدد، فأنجزت مجموعة العمل المكلفة بالتشريع الجنائي، ومجموعة العمل المكلفة بدراسة الوضعية في السجون، مقترحات طلائعية حظيت كلها بالموافقة السامية، وكم نتمنى وبالحاح إصدارها في صورة قانون أو مرسوم حسب الحالة، متفائلين بوجود السيد الوزير الأول، والسيد رئيس مجلس النواب ضمن هذه الصفوة، ليساعد كل من موقع مسؤوليته على تحقيق ذلك في أخصر الآجـال، تنفيذا للمقترح القاضي باعتبار اصدار قانون المسطرة الجنائية، والنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالسجون، من الأولويات القصوى، معبرين عن رغبتنا في إحالة مشروع القانون الجنائي، حتى يكتمل العقد، ويساهم المجلس في اثراء السياسة الجنائية، وإغنائها، مسطرة وموضوعا، لصالح الحقوق والواجبات الفردية والجماعية.
وعمقت مجموعة العمل، المكلفة بالإعلام والإتصال بالمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان، الحوار مع المنظمات المعنية بالموضوع، كما انكبت مجموعة العمل، المكلفة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، على دراسة مشروع مدونة الشغل، رفعت بشأنه توصيات إلى المجلس، وليس من الصدفة إدراجها في جدول أعمال هذا الاجتماع، بعد وقت وجيز من انتهاء قمة كوبنهاكن، التي تبنت الالتزامات العشر، الهادفة احترام اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وايجاد الحلول الناجعة لمعضلات الفقر، صيانة للحقوق، وضمانا للاستقـرار.
حضرات السادة،
يعاين الفكر أن المغرب حقق طفرة رائدة، وقفز قفزة نوعية في مجال حقوق الإنسان، وإرساء سلطان القانون، قرر عن عمد وسبق إصرار الدخول إلى القرن الواحد والعشرين من الباب الواسع، بتحديث اقتصاده، وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، وبديهي أن مناعة هذه المكتسبات، وتـجذير هذه المنجزات، يتحقق بالاهتمام بالعدل، واعتبار إصلاح القضاء من أولوية الأولويات، لإيجاد الحلول الملائمة لمشاكله الماديـة والمعنويـة، حتى يتحرر القاضي من عقدة المعانـاة، ويعيش في فضاء التصالح، والتواصل مع نفسه ومجتمعه، في قناعة وكفاية، فهو خديم الشرعية والمشروعية، مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، تبعية دائمة مباشرة لمولانا الإمام، يتشرف بالنيابة عنه في إصدار الأحكـام.
منفذ للشــرع بــالأحكـــــام لــه نـيابــة عــن الامــــــام
السيد الوزير الأول، وزير الخارجية و التعاون
يطيب لي أن أهنئكم ¬ أصالة ونيابة ¬ على تثبيتكم وزيرا أول لحكومة صاحب الجلالة؛ التفاتة مولوية، وثقة غالية تستحقونها عن جدارة، وأغتنم هذه الفرصة لتهنئة وزير الدولة في الداخلية السيد إدريس البصري، ومستشار صاحب الجلالة، السيد محمد علال سيناصر، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، السيد عبد الكبير العلوي المدغري على تجديد الثقة السامية، مشيدا بمشاركتهم الفاعلة لصالح حقوق الإنسان في نشاط هذه المؤسسة منذ إنشائها، كما أهنىء السيد عبدالرحمان أمالـو، وزير العدل الجديد، والسادة الأعضاء : محمد زيان، مسعود المنصوري، لحسن كبون على تقلدهم لمسؤوليات وزارية، متمنيا للجميع التوفيق والسداد، وموجها الشكر إلىالوزيرين السابقين، السيدين محمد الإدريسي العلمي المشيشي، وعمر عزيمان، على مساهمتهما القمينة بالإعتبار.
وفقنا الله جميعا للصالح العام، وجعلنا عند حسن ظن مولانا الإمام، فـي الحال والمآل، والـسـلام.
رئيس المجلس
محمد ميكـو