دراسة حول "حرية الاحتجاج السلمي"
الدورة العادية السادسة والثلاثون للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الرباط في 24 يوليوز 2010 دراسة حول "حرية الاحتجاج السلمي" قام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في إطار اختصاصاته في مجال حماية حقوق الإنسان، بإعداد دراسة حول "حرية الاحتجاج السلمي" التي عرفت تطورا كميا ونوعيا خلال السنوات الأخيرة، إذ تم خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يناير و 31 أكتوبر 2008 تنظيم ما مجموعه 5508 تجمعا، بمشاركة حوالي 330 ألف مواطن. وتتصدر عمالة الرباط قائمة المدن فيما يتعلق بممارسة حرية التجمع والتظاهر، حيث بلغ عدد التجمعات المنظمة بها خلال الفترة المشار إليها 1660 تجمعا، تليها عمالات وأقاليم الدار البيضاء (323 تجمعا)، مكناس (209)، آسفي (197)، طاطا (119)، جرادة (113)، العيون (111)، طنجة- أصيلا (105)، بني ملال (103)، الناظور (100)، وعرفت 48 عمالة وإقليما أخرى تجمعات يقل عددها عن 100 تجمع على صعيد كل منها (التقرير السنوي للمجلس برسم سنة 2008). و قد تمت معالجة هذا الموضوع من خلال التوقف عند تحديد مفهوم الاحتجاج كظاهرة اجتماعية وكذا من خلال الوقوف على تأصيلها القانوني. الاحتجاج هو واحد من وسائل التعبير وإبداء الرأي الأربعة المتمثلة في وسائل فردية ووسائل جماعية ووسائل شفهية وأخرى مكتوبة، وهي وسائل رغم ما يبدو عليها من انفصال عن بعضها فإنها، على الأخص، في حالة الاحتجاج تتداخل بحيث يتم الجمع بين التعبير الشفهي أو التصويري ، وذلك بالإضافة إلى أن الاحتجاج يتم مصحوبا بهذه الوسائل التعبيرية في الشارع العام، في شكل وقفة أو اعتصام أو مسيرة أو تجمع خطابي، على مرأى ومسمع ممن حضره. ومن السمات الرئيسية التي طبعت الاحتجاج خلال العقدين الأخيرين أنه عرف، في المغرب كما في معظم أنحاء العالم، قطيعة مع الاحتجاج المسلح أو المدعوم بأدوات بسيطة لكنها تحدث أذى في الناس وفي ممتلكات الخواص وممتلكات الدولة، وهو يعرف الآن انتقالا من الاحتجاج الصدامي إلى الاحتجاج السلمي. ولأن الأمر يتعلق بانتقال، فإن الانفلاتات أو الانزلاقات، سواء على مستوى الأمن أو على مستوى أفراد من بين المحتجين، تبقى دائما غير محسومة التوقعات. وفي هذا الإطار تهدف الدراسة، في بعدها الأول، التذكير بأن الاحتجاج في الظرفية الحالية بقدر ما يتزامن، من جهة، مع التوسع الذي يشهده هامش الحريات بالنسبة للأفراد والمجموعات في المغرب ومع ازدياد ترسخ الرأسملة وزحف العولمة وتأزم الأحوال الاجتماعية، من جهة ثانية، وتراجع الدور التأطيري للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية للمواطنين كما للشغيلة، من جهة ثالثة، وتعاظم مخاطر الحركات الإرهابية، من جهة أخرى، بقدر ما يظل مفتوحا على مختلف أنواع تلك الانفلاتات والانزلاقات وغيرها من التجاوزات الأمنية أثناء مراقبته أو تتبعه أو مجابهته وكذا أثناء تداعياته الأخرى الإعلامية منها أو القانونية والقضائية. كما ترمي، في بعدها الثاني، التذكير أيضا بأن العديد من حالات القلق والتوتر التي تسبق القيام بالاحتجاج أو تصاحب التحضير له أو تواكبه، إنما تعود في أكبر نسبة منها إلى انعدام الثقة بين السلطة الحكومية ذات الصلة وأجهزتها المكلفة بحفظ الأمن وبين مواطنين يعتقدون بأنهم لم يبق لديهم سوى الاعتماد على أنفسهم وإمكانياتهم الذاتية في إسماع أصواتهم والصدع بحاجاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما يستشعرونها هم في استقلال عن الهيئات التي يؤهلها الدستور للنيابة عنهم في ذلك. وهي تستحضر، في بعدها الثالث، أن الاحتجاج في المغرب كما في غيره من البلدان لم يعد مجرد ظاهرة آيلة للزوال، يكفي مقارعتها بالإجراءات الأمنية، بل وسيلة متعددة الأشكال والأساليب للمشاركة المتساوية في التعبير والجهر بالحاجات غير المشبعة ولإبداء الرأي في طرق وسبل معالجتها، وأن إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة إنما كان من بين أهدافه النبيلة هو إطلاق حقوق الإنسان وحرياته، وفي مقدمتها الحق في حرية التعبير وإعلان الرأي بأية وسيلة سلمية يتم اختيارها بما في الاحتجاج، وعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب سابقا إزاء هذه الحقوق والحريات. أما في بعدها الرابع، فإن هذه الدراسة، تؤطر موضوع الاحتجاج السلمي من حيث مقارباته اللغوية والدينية والحجاجية المكتوبة والاصطلاحية، ومن حيث أنواعه وأشكاله وأساليبه، ومن حيث مقارنته بغيره من الحركات، وكذا من حيث موقعه داخل القانون الدولي لحقوق الإنسان، الأممي والإقليمي، وداخل نماذج من القوانين الوطنية من بينها قانون التجمعات العمومية الحالي المغربي... الخ. و يذكر أن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سبق أن تطرق لنفس الموضوع من خلال تقريره السنوي لسنة 2008.