• تصغير
  • تكبير

الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد محمد ميكو

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات السادة،

يشرفني، وقد أنعم علي صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، نصره الله، بتعييني رئيسا أول للمجلس الأعلى، أن أرفع إلى المقام العالي بالله أصدق عبارات الشكر والامتنان، والتقديس والعرفان، المقرونة بفروض الطاعة وتجديد بيعة الرضوان، إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، مشيدا بالقرار الحكيم، القاضي باحداث وزارة خاصة مكلفة بحقوق الإنسان، مرحبا بالسيد الوزير، وموجها الثناء العاطر للسادة الأعضاء على المساعدة والمساندة التي اتحفوا بها الأمين العام منذ تنصيب المجلس، متمنيا وبالحاح، من موقع المسؤولية الجديدة، ترسيخها لصالح تطوير وتنمية حقوق الإنسان.

ان من نافلة القول أن نشير إلى أن الحركة الوطنية، بقيادة فقيد العروبة والإسلام جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، وعضده الأيمن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله، ربطت ربطا جدليا معركة الاستقلال بتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. فجلالته ساهم بالقدح المعلى، بجانب والده، في معركة الجهاد الأصغر، ترأس مظاهرة 29 يناير 1944بالمشور السعيد، وعبأ الشباب في الزيارة التاريخية لمدينة طنجة سنة 1947، ذاق مع المغفور له مرارة النفي والاغتراب، فاستمر صلبا صامدا يؤمن بأن النصر آت، شارك في الجهاد الأكبر، ضمن الاختيار الرشيد الذي رسمه والده قدس الله روحه في خطاب العرش لسنة 1951. ومنذ أن قلده الله الأمانة العظمى، والمسؤولية الكبرى، وهو يعمل آناء الليل وأطراف النهار لبناء دولة ديمقراطية، يسودها سلطان القانون.

ويتجلى للباحث النزيه أن إحداث هذا المجلس أساسه التقيد باختيارات الحركة الوطنية، والتزام المغرب بالشرعية الدولية. قال حفظه الله في خطاب العرش، لسنة 1991: «وان من جاهد من أجل الحرية لا يمكن إلا أن يكون معها، ومن ناضل من أجل فرض حقوق الإنسان والمواطن على الاستعمار لا يكون إلا وفيا لها في عهد الاستقلال، بشرط أن لا يقع المس بقدسية مفاهيم المثل، وأن تحترم قدسية الواجبات واحترام قدسية الحقوق، وأن تمارس الحقوق والحريات في نطاق المسؤولية لئلا تعبث بهـا الـفـوضى».

حضرات السادة،

ان المجلس مؤسسة وطنية، يبلور التعددية السياسية، والنقابية، والثقافية، والدينية، مستقل عن السلط التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، يعمل تحت الإمرة المباشرة للجلالة الشريفة، الشيء الذي بوأه مكانة عالية، ومقاما رفيعا، تحال إليه القضايا من الرئيس، عندما يرغب سيدنا المنصور بالله في استشارته، يحق له وضع يده على القضية اذا توفر النصاب، بل إن مقترحات اجتماعه السادس، التي باركها جلالة الملك، وضعت على عاتقه واجب دراسة كافة النقط التي لها علاقة بحقوق الإنسان بما فيها التقارير الصادرة عن كافة المؤسسات الرسمية والمنظمات غير الحكومية، والعمل كخلية دائمة للتحقق مما ينشر، ورد الأمور إلى نصابها بكل نزاهة وشفافية ووضوح.

لقد استهدف المجلس من مقترحاته خلق مناخ ثقافي في مجال حقوق الإنسان، والتنسيق بين الاختيارات الطلائعية للسياسة الجنائية للمملكة ومقتضيات قانون المسطرة الجنائية، والتطابق بين الممارسة والقاعدة القانونية، اذ الممارسة السليمة هي الوسيلة التي تمنح للقاعدة القانونية الحياة تحقيقا للأهداف والغايات، وبلورة قواعد القانون الدولي بالدعوة إلى المصادقة على الاتفاقيات، وتطابق القانون الوطني مع مقتضياتها، بالإضافة إلى تأسيس تعاون دائم، وحوار مستمر مع المؤسسات الوطنية المماثلة له، والمنظمات غير الحكومية؛ لما لهذه الأخيرة من دور أساسي في حماية وتنمية فضاء حقوق الإنسان، فالمجلس تجاوز مرحلة التكوين وحقق ايجابيات رائعة تذكر باعتزاز، دون مبالغة ولا اعتباطية ولا تمجيد للذات، بل نحن ندعو إلى وقفات تأملية بين الفينة والأخرى لمحاسبة النفس والبحث عن الأحسن ضمن مرحلة الازدهار والإشعاع.

وإذا كنا نفخر بأن الجلالة الشريفة صادقت على كافة المقترحات، جملة وتفصيلا، فاننا نتمنى أن تعقد لجنة المتابعة اجتماعا في أقصر الآجال لتقدم جدولا بيانيا حول ما تم تنفيذه، وما لم يقع بعد مقرونا بالسبب؛ كما نشيد بعمل مجموعات العمل، فقد نفذت برامجها في الميقـات المحدد.

حضرات السادة،

إن المغرب ماض عريق في المجد، حاضر مفعم بالإيجابيات في كافة المجالات، مستقبل محكوم عليه حكما غير قابل للتعقيب، بأن يكون متناسقا مع عراقة الماضي وحسنات الحاضر، متشبثا بتعاليم الرسالة الإسلامية الخالدة، لذلك فان المجلس سيستمر على الدرب، مؤمنا بأن ملف حقوق الإنسان سيبقى مفتوحا في كل بقاع العالم، مادام الخير والشر يتصارعان، والحق والباطل يتسابقان، والعدل والظلم يتنافسان، سيبقى وفيا للدستور الذي رسمه سيد البلاد في خطاب تنصيب هذه المؤسسة الموقرة، ولنداء الأمانـة الذي أتشرف بجعله مسك الختام: «فيا أعضاء هذا المجلس، أناشدكم الله بنزاهتكم ووطنيتكم أن تعينوني على ارجاع الحق لمن اغتصب منه، وأن تعينوني على أن نرفع جميعا هذا البلد إلى مستوى الدول المتحضرة، دول القانون. وأناشدكم أخيرا أن تكونوا حقيقة أنتم المدافعون إما إيجابيا أو سلبيا، إيجابيا أن تقولوا: نعم في هذا الملف خرقت حقوق الإنسان، أو سلبيا، في هذا الملف لاخرق لحقوق الإنسان، وانما هذا كذب وتلفيق وزور. فالأمانة لا يمكنني أن أتخلى عنها لألبسكم اياها، ولكن أقول لكم أن الأمانة نقتسمها الآن أنتم وأنـا».

وفقنا الله جميعا للصالح العام، وجعلنا عند حسن ظن مولانا الإمام، في الحال والمآل، والـسـلام.

رئيس المجلس

محمد ميكو

أعلى الصفحة