الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد ادريس بنزكري
حضرة مستشار صاحب الجلالة
السادة ممثلي الوزراء
حضرات السيدات والسادة الأعضاء
الحضور الكريم
يسعدني أن أرحب بكم جميعا في افتتاح هذه الدورة العادية التي أتمنى لها كامل النجاح والتوفيق.
أود في البداية أن أعبر، باسمي واسم السيد الأمين العام، وكافة أعضاء المجلس، عن اعتزازنا بالثقة المولوية الغالية التي حضينا بها من خلال تفضل جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بتعييني رئيسا لهذا المجلس وإسناد مهام أمانته العامة للأخ المحجوب الهيبة.
كما أود تجديد افتخارنا بما قام به السيد عمر عزيمان، من أعمال قيمة خلال رئاسته الموفقة للمجلس، والتي أشاد بها جلالة الملك خلال استقباله لنا بمناسبة تعييننا، واعتزازنا بالرضى والدعم والتقدير الملكي السامي لكافة أعضاء المجلس لمواصلة القيام، على أكمل وجه، بالمهام النبيلة المنوطة بهم، في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها.
ونحن إذ نستحضر مجمل ما حققه المجلس، منذ إعادة تنظيمه وتوسيع اختصاصاته وفي إطار تركيبته الجديدة، فإننا سنواصل بعزم وثبات أداء المهام المنوطة بنا للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها والطي النهائي لملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتقدم في الأوراش الجديدة التي انخرط فيها المجلس لما ينتظره من إسهام فعال في ترسيخ المواطنة المسؤولة وتوطيد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والدفاع الموصول عن القضايا الوطنية وما تراكمه بلادنا من مكتسبات على درب البناء الديمقراطي.
ودون الدخول في تفاصيل الأوراش والأنشطة التي باشرنا البعض منها ونعمل على وضع أسس وعناصر تنفيذ البعض الآخر، في الشهور القليلة المقبلة، أود أن ألخص المحاور الأساسية لأنشطتنا، انطلاقا من ما تم إنجازه، وماينكب المجلس على برمجته أو مباشرة تنفيذه.
أولا: فيما يخص التسوية النهائية لملف الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الماضي
حضرات السيدات و السادة،
كما تعلمون انخرطت بلادنا، منذ حوالي عقد من الزمن، في مسار لتسوية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، تكلل وتعزز بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بتوصية من مجلسنا صادق عليها صاحب الجلالة حفظه الله، وحيث ستتم إحاطة السيدات والسادة الأعضاء بالحصيلة الإجمالية لعمل الهيئة، بعد قليل، فإنني أود أن أقتصر على التذكير بفلسفة وطبيعة التجربة المغربية في هذا المجال.
يندرج إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن مسار تبلورت انطلاقته ببلادنا منذ بداية التسعينات من القرن الماضي. ومن السمات الرئيسية لهذا المسار القطع مع تلك الانتهاكات والتأسيس لمرحلة تتسم بإحداث قطائع إيجابية واعتماد التدرج في مسلسل الدمقرطة وبناء دولة القانون والمؤسسات في أفق الانتصار لقيم وثقافة حقوق الإنسان.
وينبغي التأكيد على أن إحداث الهيئة، وكما ورد في الخطاب الملكي السامي بمناسبة تنصيب أعضائها، ينطلق من حرص جلالته «على الطي النهائي لهذا الملف، بتعزيز التسوية العادلة غير القضائية، وتضميد جراح الماضي، وجبر الضرر، بمقاربة شمولية، جريئة ومتبصرة، تعتمد الإنصاف ورد الاعتبار، وإعادة الإدماج، واستخلاص العبر والحقائق لمصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم، وتحرير طاقاتهم، للإسهام في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي يعد خير ضمان لعدم تكرار ما حدث». كما تعتبر آلية أساسية لإنجاح المسار المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة، باعتباره مشروعا وطنيا وعملا حضاريا لبناء المستقبل ولرفع التحديات الداخلية والخارجية للبلاد، في إطار تعزيز الانتقال الديمقراطي ببلادنا، من لدن شعب لا يتهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته، بل يعمل على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لتشييد مجتمع ديمقراطي، يمارس فيه كل المواطنات والمواطنين حقوقهم بحرية وينهضون بواجباتهم بكل وعي والتزام، في إطار الالتزام بقيم ومبادئ الحوار والإيمان بالاختلاف والاحتكام للقانون في فض النزاعات.
يمكن لنا أن نفتخر، وبكل تواضع ودون اعتداد بالنفس، بما قامت به الهيئة من مجهود مكنها من استيعاب حقيقي للتوجهات الدولية في هذا المجال، مما سمح لها باتخاذ مواقف وتقديم اقتراحات ومقاربات من شأنها أن ترقى بالتجربة المغربية إلى مصاف التجارب العالمية الرائدة. وهذا ما يستفاد من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم لمجلس الأمن، في غشت 2004، حول «سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع»، حيث أدرج التجربة المغربية ضمن التجارب الخمس الأوائل من بين ما يزيد عن 30 تجربة في مجال الحقيقة والإنصاف.
وفعلا لقد استقطبت التجربة المغربية اهتمام العديد من الدول والمنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، والخبراء والمراقبين الدوليين، حيث استقبلت الهيئة العديد من الوفود الأجنبية، وشاركت في عدة لقاءات وتظاهرات، كما ساهمت في تنظيم ورشات للتكوين في مجال التسوية غير القضائية لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، لفائدة فعاليات من المجتمع المدني تنتمي للعديد من الدول العربية. ونظمت آخر ورشة في هذه السلسلة، بتعاون مع مؤسسة «فريدوم هاوس» والمركز الدولي للعدالة الانتقالية والمعهد العربي لحقوق الإنسان، برحاب هذه القاعة، لفائدة جمعيات جزائرية تعمل في مجال حقوق الإنسان للتكوين في مجال العدالة الانتقالية وكذا التعريف بالتجربة المغربية في مجال الحقيقة والإنصاف والمصالحة.
حضرات السيدات والسادة،
إن ما سيصدر عن هيئة الإنصاف والمصالحة من توصيات ومقترحات سيتطلب مجهودا إضافيا من المجلس ليس فقط من أجل متابعة تنفيذ ما يدخل في نطاق اختصاصاته، بل سنكون مطالبين جميعا بالعمل على بذل المزيد من الجهود في مجالات تدخلاتنا المتعلقة بالحماية والتصدي للانتهاكات، والنهوض بحقوق الإنسان لتعزيز انخراطنا في تحصين البلاد بتوفير تدابير الوقاية وعدم تكرار ما جرى.
ثانيا: فيما يتعلق بالحماية والتصدي للانتهاكات
حضرات السيدات والسادة،
قام المجلس بتفعيل آليتين أساسيتين في مجال الحماية والتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، يتعلق الأمر أولا بخلية التواصل والإتصال بين المجلس والحكومة، من خلال ممثلين عن كل من وزارتي العدل والداخلية، والمحدثة، خلال السنة الماضية، استجابة لتوصية المجلس تضمنها تقريره السنوي برسم سنة 2003. وقد مكنت هذه الآلية من تعزيز التعاون بين المجلس ومختلف السلطات العمومية المعنية بحماية حقوق الإنسان، حيث تمت تسوية العديد من القضايا، والتي من بينها على سبيل المثال تلك المرتبطة بجوازات السفر أو التنقل عبر الحدود، أو الأوضاع في السجون. وإذ أغتنم هذه الفرصة لأنوه بأعضاء هذه الخلية من الحكومة ومن أعضاء المجلس، لما قاموا به من عمل يؤسس بلا شك لتعزيز تعاون مثمر في مجال الحماية، لا يفوتني أن ألح على ضرورة المزيد من التعاون، وعلى تطوير منهجية العمل، في إطار هذه الخلية تمكن من تحديد المسؤوليات بدقة، وكذا مجالات ووسائل التدخل في الحالات الاستعجالية والعادية.
أما الآلية الثانية، فتتمثل في التصدي للانتهاكات، حيث عمل المجلس على تتبع وتحليل الشكايات المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات التي تلحق الأفراد والجماعات، وتمس الحقوق والحريات الأساسية. ولعقلنة التدبير وتأمين التنسيق والفعالية في التدخل والتتبع، قام المجلس وفي إطار انفتاحه كذلك على مؤسسات التعليم العالي، باحتضان مجموعة من الطلبة الباحثين في ميدان الإعلاميات الذين أعدوا لفائدته نظاما معلوماتيا لتحليل ومعالجة وتتبع الشكايات التي تعرض عليه. وقد نالوا بها الدرجة العلمية التي استحقوها في المؤسسة التي ينتسبون إليها. وفي إطار إعادة هيكلة التنظيم الإداري، التي سنباشرها في غضون الشهر المقبل إن شاء الله، سنعمل على توفير كل الوسائل والشروط اللوجيستيكية والموارد البشرية اللازمة لتشغيل قاعدة النظام المذكور، وسنحرص على جعل كل أعضاء المجلس وأطره المعنية في الصورة، من حيث استيعاب طبيعة وقواعد اشتغال هذه الآلية، كما نهيب بالجميع للمساهمة، وبصورة موصولة، في إبداء كل الآراء والملاحظات الكفيلة بتطوير وتحسين أدائها.
كما لا يفوتني بمناسبة الحديث عن الحماية والتصدي للانتهاكات، اقتراح العمل على التفكير، بجدية واستعجال، في موضوع توضيح أدوار مختلف المؤسسات المتدخلة في هذا المجال، في نطاق اختصاصات كل منها، بما يؤمن التنسيق الفعال وتجنب تشتت الجهود أو ازدواجية التدخلات بما لا يخدم حماية حقوق الإنسان الفردية والجماعية، للمواطنات والمواطنين داخل التراب الوطني وخارجه.
ثالثا: النهوض بثقافة حقوق الإنسان
حضرات السيدات والسادة،
انخرط مجلسنا، ومنذ سنتين، في مسلسل إعداد استراتيجية وطنية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان متكاملة العناصر والأسس، وفق منهجية تعتمد الحوار والتشاور والشراكة مع مختلف الفاعلين والمتدخلين، من مؤسسات حكومية وفعاليات المجتمع المدني. وقد انتقلنا من مرحلة الدراسة والتشخيص الأولي لمستويات ومضامين وآليات نشر ثقافة وقيم حقوق الإنسان، إلى مرحلة التشاور والحوار حول وضع أسس وعناصر الاستراتيجية المذكورة. وتفعيلا للتوصيات التي رفعها المجلس إلى صاحب الجلالة، إثر عقد اجتماعه الثالث والعشرين في أكتوبر 2004، شرع المجلس، منذ الأسبوع الماضي، في تنظيم أولى الورشات التشاورية في الموضوع، بهدف إشراك الفاعلين في حقل ثقافة حقوق الإنسان، وبالخصوص العاملين في مجالات التربية والتعليم والتكوين، للتشاور ووضع عناصر خطة وطنية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان في إطار شراكة واسعة.
حضرات السيدات والسادة،
إن الجهود المبذولة في هذا المجال، سواء من طرف المؤسسات الحكومية أو فعاليات المجتمع المدني، مكنت من حصول تراكم هام يتضمن عناصر قوة كثيرة تساهم بلا شك في النهوض بثقافة حقوق الإنسان، إلا أن ما وقفنا عنده من جوانب نقص وسلبيات في تلك الجهود يتمثل أساسا في غياب التنسيق وتشتت الجهود وأحيانا تكرار نفس المشاريع من طرف متدخلين مختلفين، وأحيانا أخرى طغيان العموميات واجترار نفس المقاربات المعتمدة في سياقات مختلفة عن أوضاعنا التربوية والتعليمية والمجتمعية. ولذلك حرصنا على أن يلعب المجلس دور التنسيق وتوفير الفضاء الملائم لكل الفاعلين والمتدخلين، من أجل الانخراط في وضع تلك الخطة في منطلقاتها وأسسها، والمساهمة في تنفيذها وتقييمها باستمرار، ذلك أن ثقافة حقوق الإنسان لاتسن بموجب قانون أو مرسوم، بل هي حصيلة تفاعل وإفراز كل مكونات المجتمع. وبذلك فإن أية خطة أو استراتيجية في هذا المجال لن يكتب لها النجاح إلا إذا اندرجت ضمن هذا التصور. وسنعمل جاهدين على استكمال الورشات التشاورية في الموضوع قبل نهاية السنة الجارية للانتقال إلى مرحلة صياغة وبناء الخطة الوطنية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان في منتصف السنة المقبلة بحول الله.
حضرات السيدات والسادة،
في موضوع آخر مهم ذي صلة وثيقة، ينكب المجلس، وبتكليف سامي من جلالة الملك، على إعداد مشروع ميثاق وطني للمواطنة، بما تقتضيه من تلازم التمتع بالحقوق بأداء الواجبات. فهذه الإشكالية أضحت مطروحة على العديد من المجتمعات اليوم في ظل التغيرات والتحولات المتسارعة، في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والإعلامية والعلمية والتكنولوجية، وكذا الفكرية والأخلاقية. وبتكليف سامي من جلالة الملك بدأنا التفكير في هذا الموضوع، بل شرعنا في الإعداد لهذا المشروع العام المتعلق بميثاق المواطنة، وسنقوم بعرضه على كل الأطراف المعنية في المجتمع، من خلال القنوات الملائمة، قصد مناقشة أسس وعناصر المواطنة المسؤولة والفاعلة في مجتمع يعيش الانتقال والبناء الديموقراطي. فقد اشتغلنا لمدة سنة ونصف على إعداد الوثائق والدراسات والأعمال التحضيرية اللازمة لإعداد مشروع الميثاق المذكور، وسنعمل في المرحلة المقبلة على تدقيق بعض المواضيع المرتبطة بالمشروع، وفتح حوار واستشارات، من خلال ندوات ولقاءات، مع مختلف الفاعلين، على غرار ما نقوم به بخصوص مشروع خطة النهوض بثقافة حقوق الإنسان، لننتقل بعد ذلك إلى صياغة الاقتراحات لوضع أسس وعناصر هذا الميثاق، الذي سيشكل إحدى أهم لبنات البناء الحقوقي والديموقراطي في بلادنا. كما أن إعداده سيشكل كذلك مناسبة هامة لحوار وطني مسؤول وهادئ حول إشكالات وقضايا تسائل مجتمعنا، من قبيل المسؤولية وتلازم الحق والواجب، الأبعاد الجديدة لحقوق الإنسان، البيئية والبيوتكنولوجية والأخلاقيات المهنية وغيرها.
وستواكب هذه الأنشطة، كذلك انخراط المجلس بالقوة اللازمة، وفي نطاق اختصاصاته، في تفعيل مقتضيات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها صاحب الجلالة حفظه الله، بتركيز الجهود على توطيد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، كما شدد على ذلك جلالته بمناسبة تعييننا. وفي هذا الصدد، عمل المجلس، منذ نهاية السنة الماضية، على فتح حوار فكري حول هذا الموضوع، بتنظيم سلسلة من الندوات، سيستكملها في نهاية هذه السنة، للانتقال إلى مرحلة بلورة التصورات وصياغة المقترحات، وخاصة فيما يتعلق بتعزيز البعد الحقوقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ومن دواعي الاطمئنان والتفاؤل في النهوض بتلك المهام، القرار الملكي السامي القاضي بإلحاق مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان بالمجلس، منذ نهاية السنة الماضية، حيث سيشكل هذا المركز بلا شك دعامة أساسية لأنشطتنا في مختلف مجالات اختصاص المجلس. ولذلك باشرنا منذ بداية السنة الجارية، اتخاذ كل التدابير الإدارية والتنظيمية الكفيلة بضمان استمرار أنشطته والوفاء بالتزاماته اتجاه مختلف الشركاء، بإلحاق تدبير أنشطته بالأمانة العامة للمجلس. كما فتحنا تفكيرا ونقاشا مع بعض أعضاء المجلس من أجل إعادة النظر في نظامه الأساسي بما يستجيب لطبيعة المهام المنوطة بالمجلس، ودعم استقلاليته وتوسيع مجالات تدخله وانفتاحه على كل الفاعلين الحكوميين وفعاليات المجتمع المدني، والجامعات. كما نحرص على تعزيز الشراكات التي عقدها المركز، منذ تأسيسه، وذلك بتوسيع وتنويع دائرة الشركاء، وطنيا وإقليميا ومحليا. وطموحنا أن يصبح هذا المركز، من خلال المجلس، مؤسسة للبحث والتكوين والتوثيق في مجال حقوق الإنسان، ليس فقط على مستوى المغرب ولكن حتى بالنسبة لشمال إفريقيا والمنطقة العربية. وسنوافي المجلس في الدورة المقبلة بخلاصات ونتائج الاستشارات التي نقوم بها من أجل الحسم في الاختيارات الملائمة لإدارة المركز والبرامج التي سنرسمها لأنشطته مع تحديد الأولويات مراعاة للأوراش المذكورة سابقا.
رابعا: التواصل والعلاقات الدولية
حضرات السيدات والسادة،
لقد عمل المجلس، في تركيبته الجديدة، على التواصل الدائم داخل وخارج المغرب، ليس فقط من أجل التعريف بأنشطته ومنجزاته، ولكن أيضا من أجل التحسيس بقضايا حقوق الإنسان وتأمين انخراط مجتمعي واسع في البرامج والخطط التي يضعها أو تكون موضوع توصيات صادرة عنه. فقد ساهمت العديد من المنابر الإعلامية، السمعية البصرية والمكتوبة، في التعاون معنا في المجهود التواصلي، كما عملنا باستمرار على تطوير موقع المجلس على الأنترنيت الذي يتضمن اليوم مواد مهمة تتعلق بأنشطة المجلس وكذا الوثائق الأساسية الصادرة عنه، بما فيها التقرير السنوي والتقارير الموضوعاتية. إلا أنه، وبكل موضوعية، فإن المجلس لازال في حاجة إلى بلورة خطة تواصلية توظف التراكم الحاصل في أنشطته وبرامج عمله، اعتمادا على الخبرة الوطنية والأجنبية، وتأسيسا على الانفتاح الحاصل اليوم في المشهد الإعلامي.
أما فيما يخص العلاقات الدولية، فلا يفوتني أن أذكر بأن نشاط المجلس في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها ساهم في ازدياد الطلب على التجربة المغربية في هذا المجال من لدن عدد من الدول الصديقة والشقيقة من العالم العربي ومن أوربا وأمريكا اللاتينية.
فقد زار المجلس خلال الآونة الأخيرة وفد من المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، في إطار علاقة تعاون وتبادل التجارب والخبرات. ويسعى المعهد المذكور إلى أن يشارك المجلس، نظرا لتجربته في الميدان، في إعداد برنامج تعاون يهدف إلى دعم مسلسل الدمقرطة والنهوض بحقوق الإنسان، فضلا عن التعريف بالتجربة المغربية في الدول العربية. واستقبل المجلس كذلك الأمين العام الجديد للجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان بفرنسا.
كما استقبل المجلس خلال الشهور الأخيرة بعض الوفود والشخصيات من دول إفريقية وأمريكا اللاتينية، نذكر من بينها على الخصوص رئيس محكمة النقض والوكيل العام لديها بدولة بوركينافاصو، ورئيس المجلس الأعلى بدولة الشيلي، قصد التعرف على التجربة المغربية في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها وما أحدثه المغرب من مؤسسات لهذه الغاية.
وبالإضافة إلى ذلك شارك المجلس في الندوة التي نظمت بالقاهرة بتاريخ 06 مارس 2005 حول المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في الدول العربية بدعوة من المجلس القومي المصري. كما شارك المجلس بوفد هام من أعضائه في أشغال الدورة الواحدة والستين (61) للجنة حقوق الإنسان، وكذا في اجتماع اللجنة الإفريقية للتنسيق بين المؤسسات الوطنية، وكذا في ورش حول «الأقليات والمؤسسات الوطنية» المنظم من لدن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
كما ساهم المجلس في الاجتماع السنوي للجنة التنسيق الدولية بين المؤسسات الوطنية لحماية وتطوير حقوق الإنسان لتدارس موضوع «دور المؤسسات الوطنية في لجنة حقوق الإنسان وكذا باقي هياكل الأمم المتحدة» وكذا موضوع «الهجرة والمؤسسات الوطنية».
وتوخيا لمتابعة كل أعضاء المجلس لأنشطته الدولية، فإننا حريصون على أن يشارك الجميع في مثل تلك اللقاءات والتظاهرات. وفي هذا السياق عملنا، منذ الأسبوع الماضي، على تشكيل وفد من مجموعات ولجان عمل المجلس للمشاركة في الدورة السابعة والخمسين للجنة الفرعية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، التي ستبتدئ أشغالها في مستهل الأسبوع المقبل. وستكون هذه المشاركة مناسبة للتعريف بما حققته بلادنا في مجال مكافحة التمييز والعنصرية والبناء الديمقراطي، من جهة، وتمكين السيدات والسادة أعضاء الوفد من الاطلاع على آراء الخبراء أعضاء اللجنة الفرعية المذكورة، وعلى الوثائق وخاصة تقارير المقررين الخاصين في مجالات تهم الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وإدارة العدالة وغيرها من المواضيع الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لأنشطتهم داخل المجلس وخارجه.
حضرات السيدات والسادة،
إن مساهمة المجلس في الدفاع عن القضايا الوطنية، في مختلف المحافل والمؤسسات الدولية، العالمية والإقليمية، ولدى منظمات المجتمع المدني، من أجل التعريف بالتقدم المحرز، بكل موضوعية، في مجال البناء الديموقراطي وتعزيز دولة القانون والمؤسسات، من جهة، وبقصد الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، من جهة أخرى، تشكل وبكل تواضع أحد روافد أو أحد أبعاد دبلوماسيتنا. ولكي نرقى إلى مستوى تحقيق هذه الغاية، لا بد من الرفع من مستوى التنسيق بين المجلس ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، قصد الاتفاق على خطة مشتركة في المجالات ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة بحقوق الإنسان، وكذا المزيد من التعبئة لكل أعضاء المجلس، والسهر على إعادة هيكلة وتفعيل بعض اللجان الخاصة ذات الصلة بالقضايا ذات البعد الدولي، مثل الهجرة أو غيرها.
حضرات السيدات والسادة،
إن التقرير السنوي الذي يعده المجلس منذ السنة الماضية عن حالة حقوق الإنسان ببلادنا وحصيلة وآفاق أنشطة المجلس يشكل، علاوة على دوره في النهوض بحقوق الإنسان وطنيا، أداة تواصلية ذات أهمية على المستوى الدولي، ناهيك عن دوره في تعزيز مصداقية المجلس ضمن المؤسسات الوطنية المماثلة ولدى اللجنة الدولية للتنسيق، حيث يعتبر من بين المعايير أو المؤشرات الرئيسية لاحترام مبادئ باريس الناظمة لتلك المؤسسات. ولذلك لا يفوتني أن أعبر عن سروري على توفق المجلس في إعداد مشروع تقريره الثاني برسم سنة 2004 وفق المقاربة المعتمدة من قبل المجلس خلال اجتماعه الثالث والعشرين. وبهذه المناسبة لا يفوتني التنويه بالمجهود الكبير الذي بذلته اللجنة المكلفة بإعداد مشروع التقرير، التي حرصت على إشراك كافة الأعضاء، وتقديم الشكر إلى كافة السلطات العمومية التي تعاونت مع المجلس في هذا الإطار. ولدي اليقين أن عملنا سيعرف تقدما، خلال إعداد مشروع التقرير السنوي برسم سنة 2005، سواء من حيث المقاربات أو طريقة الإعداد أو أسلوب الصياغة، للرقي بهذه الأداة إلى مستوى طموحنا جميعا.
ونسأل العلي القدير أن يمدنا بالعون لرفع كل تلك التحديات، وأن يوفقنا لما فيه خير ومصلحة الوطن العليا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس المجلس
إدريس بنزكري