تأهيل العدالة وتقوية استقلالها
في إطار، متابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال "تأهيل العدالة وتقوية استقلاليتها"، أعد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مذكرة في موضوع تأهيل العدالة وتقوية استقلال القضاء. ولهذا الغرض، شكل المجلس لجنة متخصصة مكونة من بعض أعضاء المجلس ومن فعاليات من خارجه ضمت بعض كبار رجال القضاء والمحاماة وأساتذة القانون بالجامعة. وبعد مناقشات جادة ودراسة علمية متأنية بناء على المذكرات والخلاصات المقدمة من طرف أعضاء اللجنة، تم رفع مقترحات همت ثمانية محاور كبرى.هكذا اقترح المجلس في مجال تقوية ضمانات استقلالية القضاء من الجانب الدستوري، التنصيص في الدستور على القضاء كسلطة، والتنصيص على ضمان الدستور لاستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم تدخلهما في العمل القضائي وسير المحاكمات، وإسناد النيابة عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء للرئيس الأول للمجلس الأعلى، وإضافة رئيس مجلس الدولة إلى الأعضاء الدائمين إذا ما تم إحداث هذه المؤسسة مستقبلا.
كما اقترحت المذكرة في هذا الصدد دائما، إضافة شخصيات حقوقية لعضوية المجلس مشهود لها بالكفاءة والنزاهة يعينها جلالة الملك في بداية كل ولاية جديدة للأعضاء المنتخبين، بالإضافة إلى التنصيص في الدستور على وحدة الهيئة القضائية لتشمل قضاة الحكم والنيابة العامة والقضاة الملحقين بمختلف الإدارات والبعثات، فضلا عن التنصيص في الدستور على أن للمجلس الأعلى للقضاء وحده دون غيره صلاحية تسيير السلطة القضائية بمقتضى القانون.
وفي ما يتصل بشق تنظيم المجلس الأعلى للقضاء، همت مقترحات المذكرة إصدار قانون تنظيمي يحدد مهام المجلس الأعلى للقضاء، وطريقة عمله، وانتخاب أعضائه، وتحديد معايير دقيقة لترقية القضاة، وتأديبهم، وضمان استقلالهم، وتخصيص مقر خاص للمجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى التنصيص على الاستقلال الذاتي والمالي للمجلس الأعلى للقضاء.
وبخصوص مراجعة القوانين، اقترح المجلس في مذكرته ان تشمل هذه المراجعة كلا من النظام الأساسي للقضاة، والتنظيم القضائي للمملكة، والمرسوم المنظم لاختصاصات وزارة العدل.
أما بالنسبة للسياسة الحكومية في مجال العدل، فقد تداولت اللجنة في موضوع السياسة العدلية الوطنية واعتبرت أن هذه السياسة هي من اختصاص الحكومة ممثلة في وزارة العدل، إذ هي المكلفة بإعداد هذه السياسة وضبط الموارد المالية اللازمة لها والمسؤولة عن تنفيذها وتتبعها تحت إشراف جلالة الملك ومراقبة البرلمان. ومن تم فإن كل ما يرتبط بهذه السياسة ولا علاقة له بإصدار الأحكام أو بالعمل القضائي فيجب أن يظل بيد الحكومة.
وبخصوص السياسة الجنائية، التي يسهر حتما على تطبيقها السيد الوكيل العام لجلالة الملك لدى المجلس الأعلى والنيابات العامة، فإن اللجنة ذهبت إلى أن المنطق القانوني يحتم التعاون بشأنها بين وزير العدل والسيد الوكيل العام للمجلس الأعلى باعتباره على رأس هرم النيابة العامة في المغرب. وسيكون من اللازم- تضيف المذكرة- وضع قانون منظم للسياسة الجنائية يسند تطبيقه إلى كل من وزير العدل والسيد الوكيل العام لدى المجلس الأعلى.
وتوقفت مذكرة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عند مجال التكوين وإعادة التكوين، مقترحة في هذا المضمار ضرورة خضوع المترشحين لمهنة القضاة لبحث اجتماعي مسبق وكذا لاختبار نفسي عند اجتيازهم للامتحان الشفوي عن طريق أخصائيين في التحليل النفسي. كما اقترحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء على التكوين المستمر للقضاة، بالإضافة إلى تزويد المعهد العالي للقضاء بمختبرات علمية متطورة في مختلف مجالات التكوين.
ولما كان النهوض بمجال القضاء يستند، من بين ما يستند عليه، على توفير الإمكانات المادية والبشرية الضرورية، فقد اقترحت اللجنة في مذكرتها رصد ميزانية للتجهيز والتسيير لكل محكمة يكون رئيسها هو الآمر بالصرف، والزيادة في عدد القضاة والموظفين والأطر التقنية بالمحاكم على نحو يناسب عدد القضايا المسجلة سنويا بكل محكمة، ومراجعة نظام الأجور والرفع منها وخلق حوافز مشجعة لهم.
وتوقفت عند ضرورة تحديد معايير دقيقة في اختيار مسؤولي كتابة الضبط بالمحاكم، والرفع من الميزانية المخصصة للعدل بصفة عامة.
وفي شقها ما قبل الأخير قدمت المذكرة جملة من المقترحات تتصل بتدابير التأهيل واسترجاع الثقة. وتهم هذه المقترحات إعداد مدونة للسلوك بنص تشريعي سواء بالنسبة للقضاة أو مساعدو القضاء من محامين، وموثقين، وعدول، وخبراء، ومفوضين قضائيين، وإنشاء أجهزة عليا لكل المهن المرتبطة بالعدالة توكل إليها مهام التأديب والمراقبة.
وبعدما شددت المذكرة على ضرورة مساهمة المجتمع المدني والإعلام في توعية المواطنين من أجل إشراكهم في استرجاع ثقتهم في العدالة، تناولت أهمية تفعيل دور التمثيليات المهنية (الودادية الحسنية للقضاة، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ورابطة العدول، وجمعية المفوضين القضائيين...) في مجالات التخليق ونشر الثقافة القانونية، وتوحيد العمل القضائي.
ومن جهة أخرى، أبرزت ضرورة مراجعة الأنظمة الخاصة بمساعدي القضاء على نحو يحقق المصداقية، والشفافية، واسترجاع ثقة المواطنين في العدالة.
وفي شقها الأخير المعنون بـ"المعالم الأساسية للإصلاحات القانونية"، اقترحت اللجنة إدخال التعديلات الضرورية على النصوص القانونية التالية:
•الدستور
•النظام الأساسي لرجال القضاء
•المرسوم التنظيمي لوزارة العدل
•التنظيم القضائي للمملكة
•القانون المنظم للمعهد العالي للقضاء
•مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية رفقة القوانين الأخرى ذات الصلة في اتجاه ملاءمتها مع التعديلات التي
ستمس النصوص المشار إليها أعلاه. وترى اللجنة أنه من اللائق إعداد قانون للسياسة الجنائية يعتمد وفقا للطرق اللازمة
لإصدار القوانين.
وتقترح اللجنة تكوين لجن متخصصة من أجل إعداد مشاريع النصوص المقترح تعديلها، كما ترى أن مساهمة المجتمع بجميع شرائحه في مجال تأهيل العدالة عن طريق عقد مناظرة وطنية تحت رآسة جلالة الملك محمد السادس ستكون ذات نفع كبير يساهم في استرجاع الثقة بالقضاء والشعور بتوفر الأمن القضائي.