دراسة حول قانون المسطرة الجنائية
الدورة العادية السادسة والثلاثون للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
الرباط في 24 يوليوز 2010
دراسة حول قانون المسطرة الجنائية
بادر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في إطار الاهتمام الذي يوليه للتشريع الجنائي ككل واستكمالا للدراسة التي أنجزها حول القانون الجنائي، إلى إجراء دراسة حول قانون المسطرة الجنائية الحالي والصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002، أوكل إنجازها إلى مجموعة من الخبراء والممارسين.
يعكس إنجاز الدراسة وعي المجلس بأهمية قانون المسطرة الجنائية وبمكانته المركزية داخل الترسانة القانونية والمستمدة من اتصاله الوثيق بالحريات والحقوق ومن ضرورة تأطيره بضمانات الحرية والبراءة الأصلية والمحاكمة العادلة، ويكرس تدخلاته ومساهماته العديدة في سبيل تطوير هذا القانون حتى يكون مواكبا للاختيارات والرهانات الكبرى للبلاد ومنسجما مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، ويدعم ورش الإصلاحات القانونية الذي خطا خطوات هامة في العديد من المجالات بقدر ما يرسخ انفتاح المجلس على مقترحات المجتمع المدني والفاعلين الحقوقيين والسياسيين وتتبعه لما يثيره تطبيق بعض النصوص القانونية من إشكالات وصعوبات.
وقد توخت الدراسة تحليل قانون المسطرة الجنائية المطبق حاليا، وتشخيص مدى انسجامه مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، واستقصاء آفاق ملاءمته معها مع تقديم المقترحات والتوصيات الخليقة بالاستجابة لمتطلبات هذه الملاءمة.
إن قانون المسطرة الجنائية يستمد أهميته من كونه ينظم سلطة الدولة وأجهزتها في الاعتقال والمتابعة والمحاكمة والعقاب، ويحدد القواعد المتعين تطبيقها واحترامها في جميع الإجراءات القضائية التي تعقب ارتكاب الجريمة، وكيفية عمل الشرطة والدرك والقضاة، والحقوق والصلاحيات المخولة لهم والواجبات الملقاة على عاتقهم بدءا من معاينة الجريمة أو العلم بوقوعها، ومرورا بالبحث والتحقيق والبت فيها...، وانتهاء بتنفيذ العقوبة الصادرة بشأنها. غير أن تطبيقه من قبل هذه الأجهزة قد يخلق ظروفا مواتية للاعتداء على حقوق الإنسان، مما يتعين معه تنظيم صلاحيات الدولة وتدقيقها في هذا المجال حماية وتحصينا لتلك الحقوق وضماناتها.
لذلك، فقد انطلقت الدراسة من مبادئ حقوق الإنسان المستمدة من الصكوك الدولية والاجتهاد القضائي الدولي والفقه ومن ديباجة الدستور ومقتضياته ومن تقارير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتهما، وسعت إلى الوقوف عند المقتضيات التي تتناقض أو تتعارض، إلى هذا الحد أو ذاك، مع حقوق الإنسان (بعض المقتضيات المتعلقة بإجراءات الاعتقال والتفتيش والحجز والبحث التمهيدي والتحقيق والمحاكمة وبقضاء الأحداث... أو المتصلة ببعض المفاهيم مثل البراءة الأصلية، والشك، واستقلال القضاء...)، وعند الثغرات الموجودة في النص (مثل عدم وجود الجزاءات على بعض الخروقات أو غياب المراقبة على مدى احترام الضمانات...) والتي تفتح الباب واسعا أمام بعض التأويلات التي لا تنسجم مع مقتضيات حقوق الإنسان، دون إغفال إبراز ما تضمنه قانون المسطرة الجنائية من مقتضيات منسجمة مع هذه الحقوق (مثل المبادئ المعلنة في الديباجة...)، وغطت، بالتشخيص والتحليل والاقتراح، جميع مقتضيات قانون المسطرة الجنائية وجميع الإجراءات، سواء منها السابقة للمحاكمة أو المتعلقة بالمحاكمة نفسها أو المتصلة بمرحلة ما بعد المحاكمة.
وقد أسفرت الدراسة عن بلورة خلاصات ومقترحات عملية مست صياغة المواد أو مضمونها أو هما معا وتمثلت في الحذف أو الإضافة أو إعادة الصياغة أو الإبدال. وتم تقديمها على ثلاث مراحل، ونظم المجلس لتقديمها ومناقشتها عدة جلسات مما سمح بإغناء الدراسة وتدقيق مقترحاتها.